;
محمد الحيمدي
محمد الحيمدي

النظام والفرصة الأخيرة 1695

2011-05-22 02:03:18


لم يكف نظام "صالح" المستبد عن نسج عوالم من الوهم.. يمسخ بها حالات التمايز المجتمعي يلغي صفات التنوع والاختلاف ويسعى بكل السبل والطرائق غير المبررة أخلاقياً إلى فرض أحادية الرؤية واختزال التعدد في توصيف الشأن العام في ذات الحاكم ومنطوق خطاب النظام.
وفي عرف وموروث وثقافة النظام المستبد يجب أن تغد و"الحقيقة" مستلبة من الجموع، مصادرة بعيداً عن حق البعث والاكتشاف.. تغدو يقينية غير قابلة للمناقشة و"الحقيقة" يراها النظام حقاً مطلقاً له هبة سماوية مقدسة.. وتفويضاً شعبياً بلا اختيار، بلا منازع، فهو النظام وحده من يقرر الصواب، من يفرض الاتاوات الأدبية والسياسية على المخالفين والسخط على كل من لا ينظر لثورة الشعب من ذات صحن خيمة الحكم.. وذات زاوية الرؤية والقياس والاستنتاج.
في عقل النظام المستبد هيمنة طاغية لعادات القطيع.. حيث ينبغي قسراً أن تسود غرائز الإتباع وُتجمد عسفاً موجبات التغيير.. وعلى الجميع أن يتجه إلى حيث يريد قائد القطيع.. سلماً أو حرباً نزفاً أو مغامرة..
على القطيع ـ وهو الشعب المحكوم بالحديد والنار واليد الضاربة ـ أن يمضي صامتاً سعيداً إلى المحارق التي يشعلها النظام.. ويدفعنا ـ الشعب ـ حطباً لاستمرار تأججها.. وقوداً لإطالة أمدها واتساع حرائقها، علينا أن نرضخ لهذا الجنون أو نقبل لطخات وحل الخيانة.
إثارة أسئلة الاحتقان والانفجارات وإبداء الرغبة في استكناه أسبابها وتقصي جذورها بعيداً عن أحكام النظام الجاهزة وتوصيفاته الطائشة وفعل كل ما يؤكد كينونة الأفراد والمجتمع وأحزاب واستقلاليتهم وتحررهم عن نظام وسلطة القطيع.. كل ذلك يدفع إلى خانة خصومة انتحارية.. لا تترك لهم مجالاً للدفاع عن سلامة النوايا ومشروعية الأهداف، المشفوعة برغبة الحرص على تدعيم الاستقرار والسلام الأهلي، وعلى إبقاء لحمة الوطن في منأى عن التهتك والتمزق ووقف غزارة النزف الناجم عن حسابات وأفعال خاطئة رعناء قادت وتقود إلى نتائج كارثية.. يقدمها النظام كحفنة من انتصارات السراب.. انتصارات غير مرئية على الأرض وإن كانت تلوثنا بها شاشة ومحابر وأثير الإعلام الرسمي التضليلي الهزيل.. غير المتزن.
النظام وهو يمارس كفره البواح بالديمقراطية.. لا يرى بأن حقنا بالتمايز والاختلاف والقراءات المتعددة حق محفوظ بقوة ودلالات المد الثوري الشعبي.. الثورة الشعبية.. والعقد الاجتماعي الذي ينظمه ويذود عنه الدستور "المغدور من قبل النظام".. ولأن في اليمن تعاطياً مشوهاً، أحادي الوجهة والانتفاع من إقرار الديمقراطية كمرجعية ناظمة للأداء.. فإن النظام "يألو جهداً في كشف مستور عدائيته.. ونوازعه الشريرة الإنعائية الماسخة تجاه الشعب والتكوينات السياسية الوطنية المغايرة، فهو لا يجد حرجاً ولا يستنكف عن توزيع الثورة الشعبية والمنضمين إليها والمؤيدين لها بخفة وطيش.. على مربعات الخيانة وخانات العمالة للخارج والانقلاب على الشرعية الدستورية وعدم الولاء للوطن.
استبدادية النظام وضمور عقله الطفولي، غير القابل للنمو والتجدد.. يختزل الوطن والوطنية والاستقامة والولاء بصورته، يقدم نفسه نموذجاً من لا يكون على شاكلته، من لا يتحدث بلسان خطابه، من لا يزاحم على مقدمات ركب الإشادة بسياسات الطوفان المدمر.. يبقى في قوائم الإدانة طريداً ملاحقاً، مداناً من منابر الفضيحة الممولة من عرف الفقراء وضرائبهم حتى وأن ظل حياً نابضاً بين الجموع.. فاعلاً في معادلات المستقبل.
النظام بسياسته النزقة المكابرة المغامرة، وقد أصبح كاهله ينوء بما لا طاقة له على احتماله.. من استحقاقات وتبعات.. قد فتح نار الكراهية والعداء على الجميع بحثاً عن طوق خلاص من سياسات أثبتت التجارب والواقع إنها شر خالص.. بما فيها من وهم إطالة استمراريته بالاتكاء على انساق وخطوط متعددة مسلحة بالمال والقوة والخطاب المنفلت الهستيري ومنحه حق الكراهية مطلق اليدين والإمكانيات في توزيع التكفير والتخوين.. والواقع أن نتائج حميمية الصلات تلك من مسميات طائفية مذهبية وحرب أهلية وانفصالية وتمزق ووإلخ.. تدفع بل دفعت الآن النظام إلى المربع الذي لم يختر يوماً تموضعه فيه وإن إرادة الآخرين المغايرين مربع لم يرغب في رؤية نفسه واقعاً تحت ضغوط تداعياته ولعل الغضب المجنون والهجوم غير العقلاني على ثورة الشباب والشعب ومؤيديها وداعميها والآخرين يأتي كمحاولة للبحث عمن يدفع ثمن حماقاته.. ويتحمل أوزار المواجهات نيابة عنه.. أن يكون كاسحته لإبطال الألغام التي بذرها بيديه بإصرار ورعونة سابقتين.. وفشلت حسابات تطابق مقادير الحقل والبيدر.. في عملية تخليق الخصوم والاستقواء بهم في ضرب وقمع المد الثوري الشعبي الهادر.
الآن وشريان الدم يغطي رقعة الوطن، على النظام أن يخرج من غرفة إنعاش الوهم.. أن يكف التضليل والمناورات وتوزيع الاتهامات وتلغيم الحياة الداخلية للشعب، بالضغط المباشر وبطواحين هواء وحروب ماكنات الإعلام الرسمي السمجة التي تثير الاشمئزاز والشفقة في آن.
على النظام الخروج من شراك الأزمات المدموغة باسمه.. عليه وهو يغوص وحيداً في مستنقع الدم.. ويرفع من أكلاف مغامرته.. تململاً وتذمراً شعبياً شاملين.. عليه أن يقر الآن أن لإخلاص للوطن عبر الاستغراق في العمليات الحربية والمهرجانات النواحية والأراجوزية مدفوعة الأجر وتوزيع صكوك الاتهامات والتهديد والوعيد.. وأن الاستجابة لمطالب ثورة الشباب وعلى رأسها رحيله "سقوطه" الفوري بدون ضمانات وشروط، هو طوق النجاة وقارب الإبحار المتاح له بعيداً عن شعار "الهروب من مشنقة إلى مشنقة فرج".. إنها إذن المشنقة الأخيرة.. إنها الفرصة الأخيرة.. إنها الخيار الأخير.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد