;
محمد الحيمدي
محمد الحيمدي

الإعلام الرسمي والبحث عن شعب آخر 1982

2011-05-17 03:51:12


* اختلاط والتباس وسوء فهم، هذا هو الملمح العام في فهم الشارع لخطاب الإعلام الرسمي، إعلام النظام، لم يعرف الناس إلى أي شعب يوجه هذا الخطاب مفرادته.. قطعاً ليس لشعب هذه البلاد، المتورمة بالفواجع وتقرب الأسوأ، يقيناً ليس لهذا الشعب الذي يقتات ويرفل هذا الإعلام من خيراته وعرقه ودمه وبؤسه، ربما كان الخطاب يتحدث عن دولة اسكندنافية لا عن نظام اليمن المستبد الشائخ والشائه المتهالك، ربما أراد الخطاب التعبير عن رغبة النظام في استبدال ناس هذه البلاد، الذين استنزف احتمالهم حتى آخر قطرة صبر، وتبددت آمالهم في جدوى معاودة الرهان على ذات بيادق الحكم، وبعد أن تصدعت البلاد وجفت أضرع الثروات نهباً وإفساداً وشراء الذمم، بعد أن زهقت الأرواح وسفكت الدماء و.. و.. و.. إلخ.
* خطاب الإعلام الرسمي يمكن أن يكون أي شيء، إلا أن يكون موجهاً لمواطن أهدر دمه وخسر أمنه وحلمه وخبزه بين مخالب لصوص وعصابات الأهالي والأرغفة، مواطن خسر حتى قبره تحت لهث وبسط طفيليي العقارات وكاسحات النهب العلني المشرعن، يكن أن يكون هذا الخطاب أي شيء آخر، إلا أن يكون قد صيغ لمخاطبة جائعي وخائفي وغير آمني اليمن.
* لخطاب الإعلام الرسمي وقع الصدمة لمن كان يحفظ في عقله الباطن احتمالية ضئيلة بإمكانية إعادة العقل الغائب للنظام وإخراج سياساته من متاهات التيه، ومشاعر الإحساس بالقوة المتغطرسة الرعناء، فجاء يوجه لكمة، بل لكمات قاسية مستخفة لكل من لازال يراهن على حيادية وعفة وصدق ممارسته وسمو رسالته، وفي المساهمة في وضع آليات لإخراج الوطن من هذه الأزمة التي تنذر بكارثة، بل نراه يأزم الأزمة ويعجل بالكارثة، مخادع، مكابر منفلت لم يقرأ نتوءات مشهد اجتماعي يراكم داخله المزيد من عوامل التنشيز والتنفير، لم يقرع هذا الخطاب أجراس الخطر، لم يضع خطاً أحمراً على رقعة محتقنة ملتهبة، لم يرسم دوائر سوداء على سياسة نظام كل مخرجاتها مجرد حزمة إجراءات طائشة، تعمق جراح الوطن والمواطن، تصادر الوطن، تسحق آدمية وكرامة المواطن.
* خطاب الإعلام الرسمي، لم يخجل من تسويق وممارسة أبشع أفعال التضليل والتقليل من وعي الشعب، في استيعاب تحديات تهدد كل نسيجه الحياتي، لم يقدم كشف حساب جرده ولو بصورتها الأولية البسيطة، أين أخفق الحاكم وأين كان إخفاقه كارثة مميتة، أين تقهقر وأين كان تقهقره انكساراً وهزيمة، أين فشل النظام وأين كان فشله ضربة قاضية قاصمة وكسر عمود فقري قاتلاً للوطن.
* لم يطرح هذا الخطاب معضلات السياسة والاقتصاد، التنمية والفساد، النهب العشوائي المتعجل لكل الثروات، لم يشر لمعطيات التوكيد، على عزم وإصرار النظام على السير بالبلاد في طريق لم ينتج سوى الدولة الفاشلة.
* لم يقل الخطاب كيف أن النظام بسياساته نجح في تصنيم هذه البلاد وكيف أراد تنميل ثقافة الرفض في الناس وتحويلنا إلى مجرد شعب نُلتهم قطعة قطعة، بصمت جنائزي سعيد، كيف تُبتلع آمالنا كدمى تمر وحلوى على ضجيج أهزوجة "يا فرح يا سلى"، لم يكاشف الناس بشفافية بالتعقيدات المنتظرة، حال استمرار العبث والهدر، القمع والبطش، الملاحة والمصادرة وممانعة إصلاح بُنى وروافع الوطن.
* خطاب المنجزات في وطن مهدود الحيل، منهوب حتى آخر لتر غاز ونفط وكيس طحين، هذا الخطاب هو العُقم بعينه وهو الإفلاس والسأم.
* من رقعة جغرافية يعيش أهلها قسراً تحت سطوة العبودية المختارة، القسرية المتوارثة، من هذه الرقعة المنهوبة أباً عن جد وحتى مضغة حفيد لم يتشكل بعد، جاء خطاب الإعلام الرسمي تدريباً في تنمية الخيال، والحديث عن الوطن الغائب المشتهى كحقيقة معاشة واعتبار حاضر الدولة المقيت مجرد هلوسات خيانية، وتصورات غير ملموسة، هذا الخطاب السلطوي المسيّر المتخم بالمنجزات، المتجشأ حقوقاً وحريات، المترهل ديمقراطية وشراكة ووحدة مصير، هذا الخطاب الناثر من حوله عدالة ومساواة، وفرة وقوة ومواطنة متساوية واحدة، قطعاً ليس موجهاً لمواطن يمني مؤتزر بالجوع، عاري الصدر من الحقوق، مفقوء العينين كرامة وعدلاً وسلة طعام، هذا الخطاب ليس موجهاً لمواطن مكسور اليقين بصوابية نظامه الاستبدادي، إنه خطاب موجه إلى شعب آخر، شعب متخيل مفترض، يطرح منجزات وواقع في بلد خارج الكوكب ولن يكون في مطلق الأحوال اليمن، هو لا يتحدث للشعب، لا يتحدث عن هذا الشعب، كما أنه لا يتحدث لتمويه الخارج، فالخارج يدرك أضعاف ما يدركه النظام من فساد وسوء إدارة واضمحلال موارد وعجز آليات حكمه، الخارج الذي يتصور النظام أنه مظلة حمايته ومصدر للاستقواء به ضد الشعب ومطالبه، وضد خصومه السياسيين في الداخل، هذا الخارج عصي هو الآخر على التضليل، مدركاً ليس باليقين القلبي، بل بالدراسات والوقائع، بالأرقام والشواهد، أين هي الحقيقة في كل هذا الخطاب، في كل خطاب "المنصة".
* لذا فإن خطاب كهذا خسر مواطنيه كعمق وجدار اتكاء أخير وخسر عكاز الخارج هراوة قمع وسقف حماية، لم يبق أمامه سوى الاسترسال في غيبوبة، في زهايمر سياسي، في خطاب مرسل عبر المرايا المنعكسة، من الحاكم إلى الحاكم، بحثاً عن شعب آخر ووطن بديل، بلاد أخرى تقبل برموز الاستبداد كضيوف طوارئ لا حكاماً مستبدين!.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد