يا ثوار ساحة التغيير اتحدوا:
لا أدري كيف يكون الإقصاء في الشارع.. كيف شكل التهميش في الساحات والميادين.. وهل هو ممكن في المظاهرات والاعتصامات والزحف المنتظر؟! صدقوني لا أدري!.
هل يستطيع فرد أو حزب أو حركة أن تمنع مشاركة آخرين (أفراداً أو جماعات)، يريدون الانضمام إلى الساحة والمظاهرة والاعتصام، لن يستطيع شخص أن يخرس صوتك وهتافك ولافتتك، طالما وهي في خط الثورة وأهدافها، في الثورة كلما زاد الاحتشاد زادت العزائم اشتعالاً، وكلما ارتفعت الأصوات بكثافة، اهتزت الأرض وقرب الحسم.
نؤمن بأن التنوع والتعدد هو الوضع الصحي والسليم لأي مجتمع، اللون الواحد والفكر الأحادي والحزب الواحد والرأي الوحيد، كلها علامات علل وأمراض وليست دليل عافية، الوطن وطننا جميعاً، والعمل لأجله واجب الجميع، نمقت التعسف ونحارب الاستحواذ، ونرفض التهميش، وسنعمل بكل طاقاتنا من أجل وطن يتسع لجميع أبنائه.
أتحدث عن نفسي، لا أتخيل العمل إلا في محيط متعدد ومتنوع، لا أرغب في الجلوس إلا في مكان يعج بالأصوات والآراء ووجهات النظر المختلفة، المجتمع الخالي من وجهات النظر المختلفة والأفكار المتعددة والآراء المتنافسة، هو مجتمع ضعيف وهش، عديم الثراء والعقل فيه معطل، المكان الذي لا يوجد فيه إلا صوت واحد، هو مكان رتيب وجامد وميت، ولا يوجد فيه حتى أكسجين الحياة.. وأضطر لمغادرته على الفور.
كم يستهويني سماع النقد المنطقي، مهما كان لاذعاً، كم تطربني الحجة القوية والرد المفحم، حتى لو كان ضد قناعتي، لأننا أصلاً في عصر التعدد والتنوع والإعلام الكثيف بكل وسائله الكاسحة.
لسنا من هواة قمع الآخر أو إقصائه، لأننا على يقين أن هذا المرض هو الذي أودى بهذا النظام الذي نراه يخور إلى قاع الانهيار، وكنا جميعاً ضحاياه.
ولدنا كأفراد.. ككيان سياسي.. كنشاط ومهنة، في خضم التعدد والتنوع وتشكل التيارات والكيانات في الجمهورية اليمنية، فاكتسبنا التعدد والتنوع والآخر، كثقافة أصيلة في شخصيتنا منذ الميلاد، لم نعتد التفرد على الإطلاق ولم نعشه –أصلاً- وعليه فلن يكون موجوداً ولا مستساغاً لدينا من حيث المنطق.
تواجد تيار ما أو لون سياسي معين وبروزهم كأفراد وحشود ومبدعين وناشطين بشكل لافت في أي ميدان ومجال، ليس جريمة وعلامة لاتهامهم بممارسة الإقصاء للآخر، بل هو رافد يجب التسليم به طالما ويحملون (أجندة) هذه الساحات والميادين ووفق أهداف شبابها، طالما وهم يتماهون معهم، بل ويذوبون فيهم ليصيروا جميعهم كتلة واحدة بنفس الأهداف والبرامج، فيزيدون الساحة ألقاً وبهاءً وحيوية.
كل الشائعات والهجوم والتشكيك الذي يقصد تياراً ما أو حزباً بعينه ظاهرياً، بكل تأكيد هدفه غير المعلن تصفية الثورة الشبابية بالدرجة الأساسية، ولكون التيار الذي يتعرض للهجوم هو الحلقة الأقوى فيها - ربما يعتقدون هم هذا- يكون (النصع) ومحور الاستهداف اليوم.
وأنت تقف في ساحات التغيير وميادين الحرية، يعني أنك في خط المواجهة وجهاً لوجه أمام كل وسائل القمع والاستهداف والاختراق والاحتواء، أمام جيش الأبناء وأبناء الإخوة والأقارب والأصهار، أنت في مواجهة خطط ومكر ودسائس وألغام الأمن القومي والبلاطجة والمطابخ السرية اللعينة للنظام الغير (صالح)، فمن ذا الذي يتعمد إقصاءك من أن تكون في فوهة البركان والأقرب والأبرز للخطر المحدق في كل خطوة ومن كل اتجاه؟!
الساحات والميادين، الشوارع والطرقات، في أتون الثورة واشتعالها هي ساحة واحدة، هي ميدان واحد، كما هي إرادة شعب واحد، وأهداف واحدة، وهتاف موحد، جميعنا هنا في الساحات بكل ألواننا السياسية والمناطقية والفئوية، نمثل اسماً واحداً هو (الثورة الشعبية)، لا مجال هنا للفرز من أي نوع، لا مجال هنا للمحاصصة والتقاسم، كلها يجب أن تذوب وتختفي ومن يثيرها إنما يقصد الانقسام والتفرق وخلخلة الصفوف، لم ندخل بعد في التفاصيل وليست هذه مرحلتها، ما نزال في الخط العريض وفي الهدف العام، وعندما نصل إلى المقصد والدولة المدنية، عندها سنضع الآليات التي تضمن الحقوق وتنظم وتمنع الإقصاء والتهميش، في مرحلة الثورة، هذه الآليات ليست موجودة وبالتالي يكون الحديث بتوزيع التهم مجرد عبث ويثير الريبة والشكوك.
أيها الثوار في ساحة التغيير بصنعاء.. أنحني أمام صمودكم الأسطوري، أقبل الأرض التي تقف عليها أقدامكم، أنتم ونحن في عدن وكل الذين هم في ساحات وميادين مدن وطننا الحبيب، بثورتنا السلمية هذه صنعنا لليمن صورة بهية نفاخر بها العالم.
حماسكم يكسبنا القوة في كل المحافظات، احتشادكم يمنحنا الأمان والثقة، نهتف خلفكم ونردد صرخاتكم وعيوننا وقلوبنا وعقولنا لا تفارقكم لحظة واحدة، ونعتبر أنفسنا مجرد صدى يتجاوب مع كل إرادتكم وخططكم ومسمياتكم، نسير خلفكم وسنظل، لأننا نثق فيكم ولن نسمح لأي وسواس يمنعنا من ذلك بدعوى الإقصاء وأننا مجرد تابعين.
أترجاكم أن تترفعوا عن الصغائر والبحث عن انتصارات وهمية في منصات الأقوال والخطابات، فنحن هنا في عدن والمحافظات الجنوبية بالذات، كلما سمعنا عن شائعات بوجود خلافات فيما بينكم في ساحة التغيير، نمسك على قلوبنا من شدة حبنا لكم وحرصنا على وحدتكم وقوتكم، نشعر بهذا لأن جراحنا ما تزال مفتوحة ونعقد الأمل على وحدتكم وانتصار الثورة التي بها نطبب جراحنا، لنكون معاً في اليمن الواحد، وأنتم الأمل المتبقي والوحيد، نخاف من اختلافكم لأننا عشنا في الأربع السنوات الأخيرة تجربة الخلافات العاصفة في الحراك السلمي وكيف تعددت وتشظت مكوناته وهيئاته، ففقد وهجه وأضاع الطريق.
يا شباب الثورة في ساحة التغيير، اتحدوا، لا تنشغلوا بالحديث عن الإقصاء، فإن هدف الثورة الأول ما يزال يعاند ويماطل ولا بد أن نقصيه، فازحفوا مثل طوفان هائل لتقتلعوا ساكن قصر النهدين، وما لم تفعلوا ذلك، فإن النصر الذي ستأتي به بنود المبادرات أقل بكثير من أي نصر تفرضه حركة الساحات، والثورة التي لم تحقق جميع أهدافها ليست بثورة.
عبدالرقيب الهدياني
صرخة من عدن.. 2053