نقابل كل يوم أناساً كثيرين يذهبون ويجيئون ويمرون أمام أعيننا مرور الكرام، قد تتذكر لهم صفة جميلة، أسلوباً لافتاً، منظراً مميزاً، ولكننا قلما نتذكرهم بعد ذلك، وهناك آخرون نراهم لأول مرة، ولكننا لا نملك إلا أن نتمنى رؤيتهم مرات ومرات، ثم نجد أنفسنا نستصعب الحياة بدونهم وبدون رفقتهم، فهم كالزاد للإنسان وكالرياحين التي تملأ المكان طيباً، وتضفي على الحياة بهجة وسروراً، وكالألوان التي تلون حياتنا، وتزين أشياءنا، وبدونهم لا يبقى للحياة طعم أو لون، فهم نسائم الله في الأرض يصطفيهم من خلقه اصطفاءً ليسعدوا من حولهم.
و"غيناء الشهاب" واحدة من هذا الصنف من الناس، كانت تبذل الغالي والثمين في سبيل إسعاد الغير، لا لأجل سمعة تبتغيها، ولا لأجل منفعة ترجوها، ولكنها فطرة فطرت عليها، وخُلق لازمها طيلة حياتها، فلا تجد للسعادة طعماً إلا بإسعاد غيرها، وقضاء حوائجهم، فلا غرابة أن تكون لها تلك المنزلة العظيمة في قلوب زملائها وكل منتسبي قسم اللغة العربية في كليتي الآداب واللغات، من كانت لهم معها رفقة علمية، والذين كان مصابهم عظيماً برحيلها.
إن قليلاً من التأمل في اسمها يمكننا من استكناء جزء من شخصيتها الفريدة وأخلاقها السامية، وكما يقال "لكل من اسمه نصيب"، فهي الشجرة الورافة الظلال التي تجود على مستظليها بألوان الخير والراحة والهناء، وهي كالوطن الذي يُظل أبناؤه ويحتضنهم ويغدق عليهم من خيراته، ولا يلقِ بالاً لاختلاف طبائعهم وأغراضهم، وهي في الوقت ذاته عالية متألقة كأنها شهاب في السماء أنى لرامٍ أن يبلغه.
* يا لإسمك يا غيناء:
الآن بدأت أتفكر فيه وأعجب كيف وقفك الله به!، نعم.. لقد كنتِ شجرتنا التي تعطي بغير سؤال وفنارنا الذي نهتدي به.
عشتِ محبة للمكرمات، محبة للآخرين، عشتِ عالية كما ينبغي للشجرة الباسقة أن تعيش، فأسأل الله أن يجعلك عالية المكانة في الآخرة، ويجعل روحك في عليين، ويسكنك أعلى الجنان.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
هويدا اليوسفي
غيناء امرأة بقلب وطن 1875