لقد خلق الله سبحانه وتعالى بني البشر لهم عقول متفاوتة، ومفاهيم متنوعة، وشاءت حكمته أن يجعل كل إنسان كائناً قائماً بذاته، يجب عليه أن يستخدم فكره وعقله في كل ما يطرح عليه.
فقد نعى القرآن الكريم على قوم ألغوا عقولهم وقالوا: "إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون"، وعلى هذا فإن الشريعة الإسلامية بعالميتها وخلودها واتساعها للزمان والمكان، تشمل على نصوص قطعية الدلالة، قطعية الثبوت، لا تحتمل التأويل، وبخاصة في جوانب العقائد، وهذا محل اتفاق بين العلماء، وتمثل الثوابت والأصول في الشريعة الإسلامية التي لا مجال للاجتهاد فيها، بينما هناك نصوص أخرى هي محل خصب لعمل الفكر الإنساني، ومن الطبيعي أن تختلف الآراء وتتعدد المذاهب في تفسير هذه النصوص تبعاً لاختلاف الفهم البشري.
فمن المهم جداً أن يدرك أي متحاورين، حول أي قضية من القضايا، سيما قضايا الأوطان والأمة وقضايا الإسلام والمسلمين أن وحدة الحقيقة لا تنفي تعدد زواياها واختلاف وجهات النظر والعقول في تفسيرها، وهذا ما يؤكده تنوع العلوم والآراء والمذاهب لدى الفقهاء، والمجتهدين، والمفكرين، بل واختلاف الصحابة في أمور كثيرة وردت فيها نصوص قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة، واستمر الاجتهاد الثري موصول العطاء على مر العصور إلا في زمن الجمود.
وعلى هذا الأساس ينبغي أن يسود حسن الظن، وأن تتسع صدور المتحاورين للخلاف في وجهات النظر والاجتهاد، فلا تضيق بالرأي الآخر، وأن تسود بينهم المودة وعفة اللسان وصون الكرامة، وبهذه الروح ننتفع بالحوار ونصل إلى النتائج المرجوة منه.
إن عفة اللسان والقلم والحرص على صون الكرامة والأخذ بحسن الظن في النيات والمقاصد، من أهم ما يجب أن يسود أطراف الحوار، ولا يجوز بحال من الأحوال أن يتذرع أحد المتحاورين بضيق صدره ونفاذ صبره وهو يحاور مهما كان موقف محاوره، فمن غير اللائق شرعاً وعقلاً وأخلاقاً أن تصل حواراتنا إلى مستوى السباب والقذف والتخوين والتحقير وغير ذلك.
قال سبحانه وتعالى: "أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، وفي الحديث أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله: "أدع على المشركين"، فقال صلى الله عليه وسلم: "إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة" وقال رسولنا صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر".
إننا في موضوعنا هذا ندعو علماءنا ومثقفينا وصحافيينا وإعلاميينا الذين يحملون الأقلام ويعتلون المنابر الدينية والثقافية والإعلامية، أن يتوقفوا عند تراثنا الذي يرفعون راياته ويذودون عنه، ليتأسوا بالأنموذج الذي أرسله الله سبحانه وتعالى رحمة للعالمين.
فنحن أمة الإسلام يجب أن نكون أوعى الناس وأسعدهم بالحوار فيما بيننا، وأن نحرص على التناصح والتعاون على البر والتقوى، لأن ذلك من صميم ديننا وحضارتنا وثقافتنا التي نعتز بها.
alhaimdi@gmail.com
محمد الحيمدي
نحو حوار صادق ومثمر 1763