لأجسادنا تضاريس تشبه تماماً تضاريس الأرض ارتفاعاً وانخفاضاً، وعورة وانبساطاً، تصخراً وتجمداً، ولها أيضاً حالات مشابهة للطقس برودة وحرارة واعتدالاً، وهي تعاني أحياناً من حالات احتباس حراري يفسد وظائفها ويعطل مهامها، أنها تخضع لعوامل التعرية من الداخل والخارج جسدياً وفكرياً وروحياً، لنا أعماق تشبه أعماق المحيطات، وصدور صحراوية جافة متشققة تستسقي المطر، مستنقعات ضحلة من الآثام، آبار من الخطايا وشواطئ مشرقة من المغفرة.. لنا تلال معشبة ومروج خضراء تستلقي تحت أشعة الشمس ، لنا زوايا وشرفات ومرافئ وأفنية.. لنا بر وبحر، أشجار وطرقات وأرصفة.. ننصهر على حرارة مشاعرنا حتى نتلاشى ثم تبعثنا أقدارنا من جديد تطفلت فيها أعيننا على أعين الآخرين فحلت عليها لعنة الطوفان الذي أغرق تفاصيل القلوب ولم يترك لمن نهوى عنواناً فينا.
لأجسادنا مواسم صيف وشتاء وخريف وربيع تكون فيها أرواحنا شبه عارية صيفاً، متسربلة بالصبر شتاءً، ثائرة صيفاً وبديعة ربيعاً.. تكسر كبرياءنا الرياح وتخرس لذة بوحنا الثلوج لكن أوراقنا تبقى معلقة لا تسقط أبداً وأزهارنا تبقى بلا رائحة.. لأرواحنا تاريخ عريق شهدت خلاله قلوبنا معارك ضارية بين الرغبة في الحياة وحتمية الموت وبين ما نريد ومالا نريد وبيننا وبين من نهوى، ذلك التاريخ كان حافلاً بأعلام منكسة ومقابر جماعية لمواويل طويلة عشنا نغنيها سراً داخل قلوبنا حتى نحتت أصداءها جدران صدورنا.
لأجسادنا مواسم حصاد وسنوات جدب طوال، ولها براكين بلا فوهات تكاد تصهر براءتنا ونحن نستمسك بعروة الحياة حتى الموت، لها زلازل تتجاوز مقاييس زلازل الأرض لأنها تهز عرش السماء الذي لا تهزه الطبيعة الغاضبة دوماً.
لكن لأجسادنا أيضاً حدوداً جغرافية حمراء لا يمكن تجاوزها إذ تبقى مساحة الحب فينا بعيدة جداً عن مساحات الخوف والبغض أو التعالي والسمو أو الحرية والانطواء.. عبر محيطات أجسادنا تعبر اليخوت والسفن والقوارب إلى مرافئها، وعلى شواطئها تنصب أكواخ الرمل التي تسكنها النسمات وتمر عبر أبوابها أجنحة النوارس.
لأجسادنا سماوات وأرضين وسحاب معلقات بلا يدين، تضاريس أجسادنا أكثر وعورة من تضاريس هذه الأرض التي نقف عليها لأن لنا أرواحاً تخلق ، عقولاً تسافر عبر الذاكرة لتحمل الدنيا بأسرها في كتاب كبير، وقلوباً تخفق وتنصت لسكوننا.
أجسادنا عالم مجهول من القارات والمحيطات والجزر، نحن فقط من يستطيع أن يكتشفها كعالم جديد له مزاياه الجغرافية المختلفة عن هذا العالم.
لأجسادنا عجائب سبع: قلوبنا المعلقة، سوار الروح العظيم، ذاكرة الحب الهرمية، مشاعرنا، حواسنا الخمس، تضاريسنا الساحرة، قدرتنا على الاشتعال والانطفاء.
ألطاف الأهدل
جغرافيا الجسد 2415