كيف كانت البداية؟ كانت البداية مباشرة بعد أن عشنا لحظات انتصار شعب تونس العظيم وسقوط بن علي يوم 14 يناير، كانت فرحة وسعادة لا توصف، وكعادتي في توجيه الدعوات من أجل الاعتصامات والتظاهرات الأسبوعية المطالبة بالحقوق والحريات، توجهت مباشرة إلى صفحتي على "الفيس بوك" ووجهت دعوة للجميع للاحتفال بهذه المناسبة لكن على أن نقيمها يوم 16 يناير كي أتمكن من الحشد الجيد لمناسبة مهمة مثل هذه، لكن المفاجأة أنه في يوم 15 اتصل بي مجموعة من طلاب جامعة صنعاء، طلبوا مني أن أحضر معهم اعتصاماً رمزيا أمام السفارة التونسية مع بعض نشطاء حقوق الإنسان، حضرت فعلاً وشاركتهم هتافاتهم (يابو عزيزي يا مغوار .. احنا معاك على خط النار .. ضد الحكام الأشرار)، وأمام السفارة تعرضنا للقمع الشديد والاعتقال من قبل قوات الأمن.. فهتفنا سوية (اذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلابد ان يستجيب القدر، ولابد لليل ان ينجلي ... ولابد للقيد ان ينكسر) وهي السيمفونية التي رددها ثوار تونس أثناء ثورتهم لإسقاط النظام، وبعد الاعتداء عاتبت الطلاب على عدم التنسيق والحشد الجيد، طلبت منهم أن ننسق جيداً لليوم التالي، وبدأت التنسيق مع بعض القيادات الطلابية من أجل الإعداد الجيد من أجل هذه المناسبة، وبدأ الطلاب بإعداد القصاصات الورقية وتوزيعها في الجامعة، واستخدمنا "الفيس بوك" ورسائل الموبايل في الدعوة والحشد.
صباح يوم 16 يناير كان مذهلاً بمعنى الكلمة، الآلاف استجابوا لدعوتنا وتجمعوا أمام بوابة الجامعة، وفي الطريق إلى السفارة التونسية شهدت صنعاء أول مسيرة سلمية تطالب بإسقاط النظام، في هذا اليوم رفعنا شعار (ارحلوا قبل أن ترحـّلوا ..)، (الشعب يريد إسقاط النظام)، بثت المسيرة العديد من القنوات الفضائية، لقد كانت مثار اهتمام وتفاعل كبيرين من قبل وسائل الإعلام والمواطنين.
في مساء ذلك اليوم زارني إلى منزلي مجموعة من القيادات الطلابية والشبابية بمعية البرلماني والناشط الحقوقي أحمد سيف حاشد والكاتب الكبير عبد الباري طاهر، واجتمعنا حتى وقت متأخر من الليل، تحدثنا كثيرا عن اللحظة التاريخية التي يجب أن لا تفوتنا، وأنجزنا اتفاقا على ان نشعل الثورة السلمية للمطالبة بإسقاط النظام عبر المسيرات والتظاهرات التي اتفقنا أن تبدأ من بوابة جامعة صنعاء، وأن تتجه صوب ميدان التحرير ومؤسسات الدولة وانتهاء بقصر الرئاسة حتى إسقاط النظام، وان لا تراجع عن هذا الهدف مهما كان حجم القمع الذي سنلاقيه. وهكذا استمرت المسيرات والتي كانت تكبر يوما بعد يوم برغم مختلف أعمال البلطجة والقمع الرسمية التي تعرضنا لها.
بدأ الأسبوع الثاني من الثورة باعتقالي منتصف الليل وأنا عائدة إلى المنزل من قبل جهاز الأمن القومي، لقد كان يوماً فارقاً في تاريخ الثورة السلمية في اليمن، حيث تناقلت وسائل الاعلام خبر اعتقالي بتهمة "قيادة المظاهرات المنادية بإسقاط النظام" خرجت مسيرات احتجاج وتنديد كبيرة في معظم محافظات الجمهورية، نظّم الطلاب ونشطاء المجتمع المدني والسياسيون مسيرات عديدة وكبيرة في أنحاء مختلفة في صنعاء على إثرها اعتقل العشرات من الطلاب والنشطاء، كان الضغط كبيرا جدا داخليا وخارجيا حتى اضطرت السلطة إلى إطلاقي بعد 36 ساعة قضيتها في سجن النساء تم فيها تقييدي وإلباسي ملابس السجينات.
بعد خروجي مع العشرات من الثوار من السجن، استمررنا في التظاهرات المنادية بإسقاط النظام، وجهنا الدعوة لكافة التيارات والأحزاب والحراك الجنوبي والحوثيين والقبائل والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والجيش كذلك، الى الانضمام الى الثورة الطلابية الشبابية السلمية المطالبة باسقاط النظام، وحثثناهم على تأجيل الخلافات والحوار الى ما بعد سقوط النظام والذي حمّلناه كل الاخفاقات ومشاكل اليمن، مؤكدين ان اليمن ستكون أفضل بدونه وأن اليمنيين سوف يحلون كافة اشكالاتهم بما فيها حرب صعدة والقضية الجنوبية والثأرات والارهاب ..كما سيقيمون دولتهم المدنية دولة المواطنة وسيادة القانون باقتدار وبسرعة كافية،، هذا ما قاله الثوار في بياناتهم وتصريحاتهم في الأسابيع الاولى للثورة ونحن نوجه الدعوة الى كافة اليمنيين للانضمام للثورة السلمية.
بدأت الثورة تتسع لتشمل محافظات أخرى وفي مقدمتها تعز، عدن، الحديدة، وعلى غرار ميدان التحرير في القاهرة تمكن الثوار في تعز وصنعاء وعدن وحضرموت والحديدة وخمسة عشر محافظة، من إقامة مخيمات دائمة للاعتصام في ساحات أسموها بساحات الحرية والتغيير، وهكذا بدأ مئات الآلاف يتوافدون إلى الساحات المطالبة بإسقاط النظام.
وبعد هذا الانضمام الكبير للثورة من مختلف ابناء الشعب اليمني من أحزاب وقبائل وحوثيين وحراك ونقابات ومنظمات وجميع اليمنيين، لم تعد الثورة محصورة بالثورة الطلابية الشبابية، تغير اسمها إلى الثورة الشبابية الشعبية، ..أقول هذا لا لأدعي أو أوثّق دورا شخصياً أنا في غنى بعد توثيق وتسليط ضوء كافٍ عليّ من قبل وسائل الاعلام، بل لأنصف الطليعة الطلابية التي أشعلت الثورة رغم كل حالات التثبيط والتحذير التي تعرضنا لها من قبل الاحزاب والتيارات الاجتماعية وبرغم كل حالات القمع الرسمية التي تعرضت لها في البداية العنيدة.
من حق الطلبة والشباب ان يحتفظوا بشرف اشعال الثورة السلمية في اليمن، ومن حقهم أن لا ننساهم في الزحمة بعد ان غدت الثورة ثورة شعبية شاملة حضرت فيها القيادات والنخب السياسية والاجتماعية والقبلية والعسكرية بما تمتلكه من امكانات وعلاقات، وتوارى صوت الطلاب والشباب الذين اشعلوا البداية، لكني كنت الوحيدة التي احتفظت بالحضور الاعلامي والميداني كقيادية في الثورة وذلك لكوني إحدى الشخصيات الشهيرة في اليمن قبل الثورة بفعل نشاطي الحقوقي ونشاطي في مناهضة الفساد العام، المقصود إذن هو إنصاف الطلائع التي أشعلت الثورة.
الشبيبة العمانية
توكل عبدالسلام كرمان
نعم ... في اليمن ثورة سلمية (1 - 2) 2745