حينما يخاف الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وحينما تسفك الدماء في الطرقات والأحياء والميادين لأي سبب كان، فيصبح التغيير فريضة شرعية وعلى الأمة جمعاء القيام بواجب التغيير، لتتوقف أنهار الدماء ويأمن الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وإذا كان السبب لكل الذي يحدث هو النظام، فتغييره واجب شرعاً.
وحينما تشل الحياة وتضيع الحقوق ويغيب العدل ولا يأمن الناس على حقوقهم وأعمالهم وتجارتهم وأرزاقهم.
وحينما يزداد الفقر ويتسع وتنتشر دائرة الفساد وتتسع رقعتها إلى درجة أن الفساد في وطني أصبح ثقافة عامة يتداولها الجميع بكل فخر واعتزاز وعلى رأس الجميع النظام القائم، فيصبح التغيير ضرورة وطنية وحتمية أخلاقية واجتماعية.
ففي هذا الوطن الغالي الذي نخره الفساد في كل أنحائه وأركانه "دار دار، مدينة مدينة، قرية قريةـ مؤسسة مؤسسة، دائرة دائرة، محكمة محكمة، شرطة شرطة"، لم يبق شيئاً جميلاً في وطني إلا وابتلعه الفساد.
فدمر ثروته السمكية تدميراً، وابتلعها مجموعة فاسدة من أعوان وأقارب النظام وحرموا أبناء الشعب اليمني والخزينة العامة مصدر رئيسي من مصادر الدخل القومي والوطني يقدر بمئات الملايين من الدولارات، يمكن أن تغطي نسبة كبيرة من ميزانية الدولة.
وابتلع الفساد الثروة النفطية، فلا نعلم نسبة الإنتاج ولا نسبة الدخل ولا إلى أين يذهب، وسيطر على شركات النفط مجموعة من أقارب النظام وأصهارهم، شربوا ثروتنا النفطية، كما ابتلعوا الأسماك في البحر على مدى عشرات السنين.
وليست فضيحة بيع الغاز المسال عنا ببعيد، الذي يباع بأسواق النخاسة على مرأى ومسمع أبناء الشعب اليمني أجمعه، ولم يستطع الأحرار في مجلس النواب أن يفعلوا شيئاً بعد أن بحت أصواتهم.
كما أن هناك بوابة فساد كبرى سيطرت على إمداد الجيش ومشترياته وعلى التجارة المركزية في طول البلاد وعرضها، واستولت على كل مؤسسات الدولة الإنتاجية من مصانع إنتاجية مختلفة وشركات متعددة في أنحاء الوطن من أقصاه إلى أدناه، لا يحاسبها أحد ولا يستطيع أحد من منتسبي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ولا هيئة تحليل الفساد "مكافحة الفساد"، النظر إليها أو الإشارة إليها خوفاً ورهبة وهي المؤسسة الاقتصادية اليمنية "العسكرية سابقاً"، ولا يعرف لها حساب ولا يشق لها غبار وهي مربوطة مباشرة برأس قمة الهرم، لا يستطيع أن يتسلق إليها أحد.
وحرمت الخزينة العامة من رافد اقتصادي كبير ومعها خمسة وعشرون مليون محروم من أبناء الوطن الجريح.
ألا يكفي هذا لضرورة التغيير؟
أخي القارئ الكريم لم يكتف المفسدون في وطني بكل ما ذكر سابقاً مع أنه يشيب له الولدان، في ظل عهد المنجزات العملاقة والحكمة اليمانية بنهب الثروة ومصادرتها.
بل إن الفساد وصل كل مرفق ووزارة ومؤسسة، فما أن يعين وزير أو سفير أو مسؤول ما وهو يسكن في منزل إيجار، فبعد تعيينه بشهور معدودة حتى تراه يتربع على فلة ضخمة في مدينة حدة وغيرها من أحياء العاصمة، تقدر بعشرات الملايين، ناهيك عن الحصول الفوري والسريع على عدد من السيارات الفارهة، وحينما يحول عليه الحول تجد قصوراً تمدد شرقاً وغرباً حتى تتعدى حدود الوطن إلى عواصم الدول العربية والأجنبية.. وقس على ذلك كل مسؤولي مؤسسات الدولة المختلفة إذا جاز تسميتها بمؤسسات.
وتمكن النظام القائم بفضل طول بقائه من الاستيلاء على ما تبقى من الأموال التي تصل إلى الخزينة العامة بشق الأنفس وطول عناء وذلك بتمكين الأبناء والأقارب والأصهار من قيادات الجيش والأمن والمؤسسات الإيرادية والمحافظات والسفارات بمخالفة صريحة وفاضحة للدستور وتحول اليمن إلى شركة خاصة يتقاسمها الملاك الأبناء والأقارب وأصحاب الحضرات حسب القرب والولاء وحولوا الشعب اليمني إلى عبيد ليس لهم إلا ما يملئ بطونهم من بقايا الفتات.
أليس من حق الشعب اليمني أن ينتفض بعد كل هذا؟، أليس من حق الشعب اليمني أن يقول لا وكفى؟، أليس من حق الشعب اليمني أن يستعيد دولته المنهوبة وثروته المسلوبة وأن يستعيد كرامته المنهوبة؟، أليس من حق الشعب اليمني أن يعيش مثله مثل شعوب الأرض؟.. بلى، وليس ذلك على الله بعزيز، ولهذا يصبح التغيير فريضة شرعية وضرورة وطنية.
محطة:
إن لي وطن
قصوره أكوام من خراب
نباته حنظل
وأرضه مقبرة الأحرار
نهاره سواد وليله نار تحرق أركانه
سيوفه مشرعة تضرب أعناقه
غرابه يتحفنا بقوله: كيف أواري سوءتي
هذا هو اليمن
نور الدين محمد علي
التغيير فريضة شرعية وضرورة وطنية 2355