بتحليل موضوعي لابد من الإقرار –أولاً- بوجود "أزمة متفاقمة" في اليمن، وأنه لابد من العمل على حلها –ثانياً-.
والإقرار بالأزمة نفسها هو المنطلق الأول، وبعد ذلك مشروع أو مشاريع الحل، كما أن الإقرار بالأزمة يعني:
معرفة أن الشعب يعيش حالة انقسام تفاقمت يوماً بعد يوم، كما يلاحظها المراقب –أي مراقب- ومعرفة أن الجيش يعيش حالة الانقسام، وهي نفسها حالة تأكيد "تفاقم" الانقسام الشعبي ونتيجة له أيضاً، ومعرفة أن "السلطة" بذلك كلها تعاني من انقسام أيضاً، كما يتجلى ذلك في استقالات عناصر المؤتمر وقيادته أو الوزراء أو السلطة المحلية أو المواطنين أو الجيش وغيرهم.
وهذه الجوانب الثلاثة تعاني من اهتزاز الثقة بينها من جهة، وبين كل جانب ومكوناته، وعلى هذا الأساس ينبغي –كما يبدو- أن تنبع منها الرؤى والمشاريع التي تبحث عن خروج من الأزمة الراهنة.
وأي تفكير في حلول للوضع الراهن يجب أن "ينطلق" من "الإقرار" بهذه الجوانب الثلاثة، لأنه بغير ذلك ستكون الحلول غير واقعية، لأن المعاش بانشقاقاته لا يضع "الجميع" في سلة التوافق الدستوري أصلاً، وإلا لما ثاروا وانشقوا، ولذلك فإن المصلحة العامة والوطنية تقتضي الإيمان أولاً بالأزمة وأنها تفاقمت وما زالت تتفاقم.
وفي هذه الرؤية ينبغي "عدم التقليل" من شأن المعتصمين، لأن ذلك سيؤدي إلى عدم الجدية في وضع الحلول من جهة، وتغليب المشاعر الخاصة جداً، وبروز الذاتية والأنا من جهة أخرى، سواءً كانت "الأنا الشخصي" أو "الأنا الحزب" أو "الأنا القبيلة".
وبالأرقام يمكن القول:
- إن الأخ/ الرئيس حاز على "76%" في الانتخابات الرئاسية.
- وإن المشترك حاز على "24%" في الانتخابات نفسها "وكان مرشحهم الأستاذ/ بن شملان - رحمه الله".
كان ذلك عام 2006م، ومع هذه التطورات والأحداث الأخيرة التي قادها الشباب منذ فبراير 2011م، يمكننا القول أن النسبة قد ترتفع من "24%" إلى "30:35%" على الأقل.
إذن نحن أمام انشقاق أكثر من "ثلث السكان"، وأقول انشقاق ليدرك أي باحث عن حلول أن الأرضية الدستورية لم تصبح صاحبة الكلمة الفصل بين الأطراف.
وحين أقول "انشقاق ثلث السكان"، فهذا تعبير تقريبي، لأنه استند إلى نتائج الانتخابات التي شارك فيها حوالي ثمانية إلى تسعة مليون مواطن من إجمالي عدد السكان، وهذا يعني أن غالبية السكان لم يدخلوا في هذه النسبة، وهم يشكلون الأغلبية الصامتة، وعددهم أكثر من "12" مليون مواطن، وهنا النقطة الرئيسية التي تعني أن هذه الأغلبية الصامتة في 2006م فيها من الشباب نسبة كبيرة أصبحت في 2011م صاحبة الكلمة مع زملائهم وإخوانهم الأكبر منهم من الشباب.
ومن هذه الزاوية أظن أن النسبة التي تشكل هذا الانشقاق قد ترفعها إلى أكثر من "45%" إن لم تتجاوز "50%"، إذن نحن أمام انشقاق " نصف السكان" إن لم يكن أكثر.
* وهنا تبرز إطارات عامة للواقع المعيشي بتداعياته المحتملة وهي:
1. بقاء الأزمة كما هي عليه اليوم، استمرار الاعتصامات وتوسعها، في مقابل حشد القبايل والأنصار، مع مناوشات بسيطة لا تتعدى استخدام المسيل للدموع.
2. أن تتم "المواجهة" بين الطرفين، بمهاجمة ميادين الاعتصام، أو بانتقال المعتصمين إلى مواقع "حساسة" تكون فكرة المواجهة هي الأساس، وهذه المواجهة ستكون بين المواطنين أنفسهم من جهة، وبين القوات المسلحة بعضها بعضاً من جهة أخرى، وبين القوات المسلحة والمواطنين من جهة ثالثة، وما يترتب عليه من سفك دماء وإزهاق أرواح".
3. أن تتدخل "مشاريع" حلول تزيل فتيل الاحتقان من جهة، وتمنع تماماً حدوث أي مواجهة من جهة أخرى، وتقدم حلولاً عملية تنقذ اليمن من أزمتها.
ولا يخفى على القارئ أن إطارات محتملة أخرى يمكن أن تندرج في هذه الثلاثة على الأغلب، ولكن ما تداعيات أو نتائج كل واحد من هذه الإطارات الثلاثة؟!
- بالنسبة للإطار الأول:
فإن استمرار الوضع كما هو عليه، سيؤدي إلى الوصول إلى "انهيار الاقتصاد تماماً" وانهيار الاقتصاد في أي دولة يؤدي إلى انهيارها وربما تفككها إذا كانت فيها قابلية لذلك، وهذا في الأحوال العادية، فكيف في مثل هذه الأزمة التي تعيشها.
وأي دراسة بالأرقام يمكن أن تكشف ذلك بسهولة، كم يخسر الوطن يومياً في كل مناحي العمل والإنتاج والاستثمار، نتيجة ما يحدث؟! ولعل من أهم المؤشرات "الرقم الخاص الاحتياطي"، "النقدي من العملة الأجنبية" حتى الربع الأول من 2011م، الذي وصل إلى حوالي "خمسة مليارات دولار" في حين كان قبل ثلاث سنوات تقريباً "ثمانية مليارات دولار" وكم مصالح للناس توقفت أو تعثرت، وهكذا.
ولهذا يصاحب هذا الانهيار استقطاع محافظات واستقلالها بنظام خاص بها على أقل تقدير، وأقرب مثال متوقع "عدن وصعدة"، وهذه الأخيرة لا ترى فيها علم الجمهورية اليمنية في مسيراتها واعتصاماتها".
- بالنسبة للإطار الثاني:
"المواجهة" معروفة مخاطرها، ونتائجها، فهي ستعمق الانشقاقات في الاتجاهات الثلاثة من أطراف الأزمة، وستؤدي إلى مواجهات عسكرية، والنتائج خسران لكل الأطراف، وستكون "النقطة السواء" المحيطة بأي إنجاز من الإنجازات التي تمت قبل ذلك، بل ستطغى على تلك الإنجازات وتتحول تاريخياً ولدى "الأجيال القادمة" إلى تاريخ أسود بكل "النظام" بدون استثناء.
- بالنسبة للإطار الثالث:
وإن كان يبدو أنه المخرج الوحيد للخروج من الأزمة فإن المخاطر المحدقة بهذه الحلول قد تكون أثراً من الإطار الأول، هذا إن لم تذهب إلى نتائج "الإطار الثاني"، واستناداً إلى ما سبق من عدم توفر الأرضية الدستورية المشتركة للجميع في هذه الأزمة فتين الآتي:
* أن أي محاولات للضغط على الحلول الدستورية فقط وفرضها في مثل هذه الظروف، لن يقود إلا إلى مزيد من التفاقم للأزمة سواء في شكلها في "الإطار الأول، تفاقم الاعتصامات والحشد المقابل" أو بالتحول التدريجي إلى الشكل المحدد في "الإطار الثاني، المواجهة".
* عن الضغط على "الحلول الدستورية" فقط يعني أن القوى المحيطة بالأخ/ الرئيس تريد منه ضمانات لصالحها هي، وتضغط من زاوية "تهوين شأن الانشقاق" و"تسهيل نتائج الضغط على الحلول الدستورية"، وهي تهدف في النهاية إلى "استمرار بقائها في السلطة حتى أمد جديد أو آماد جديدة".
ونتائج الحلول أعلاه لا تختلف عن نتائج الإطار الأول والإطار الثاني.
ومن هذا المنطلق، فنحن بحاجة ملحة أن نقف أمام حلول جذرية تأخذ بروح الدستور –إذا جاز التعبير- وتعتمد على موقف تاريخي للقيادة السياسية، موقف يزيل من الذهن أي مشاعر التحدي، أو أي شعور بالنقص، فالمواقف التاريخية العظيمة تكون مثل "التاج" على كل الانجازات السابقة، بل كم هي عظيمة أمام الله سبحانه وتعالى حين توفر على أمة أرواح أبنائها ودمائها واقتصادها وقوتها وتماسكها.
إن الأخ/ الرئيس قد أثبت له "الشعب" في أغلبيته النسبية المكانة التي تضعه في قمة القوة والسلطان، ولذلك ليس في اتجاه أي "مواقف تاريخية" أي إغضاء أو تنقيص لشخصيته ولا لمكانته في قلوب الناس، وبخاصة وإنني أعتقد أن ما يشبه الإجماع موجود ويدعو إلى رفض أي إساءة إلى شخص الأخ/ الرئيس، لا حالياً ولا في المستقبل، تماماً كما أعتقد أن ما يشبه الإجماع على أن لا مشكلة في عناصر وقيادات المؤتمر كحزب حاكم، وإن كان هناك طرح قانوني/ بالمسائلة حول الأيدي التي تلطخت بسفك الدماء وقتل الأنفس، بالرغم من أن هذا الطرح ربما يخفت إذا تم اتخاذ مثل تلك المواقف التاريخية التي تنقذ اليمن والشعب من النتائج السلبية والانهيار الاقتصادي أو الاقتتال الداخلي.
وأود في ختام هذه القراءة أن أشير إلى أنه من الصعب "حالياً ثم تاريخياً" تحميل المسؤولية لما يحدث "لأي طرف من الأطراف خارج السلطة"، لأنها في النهاية وفي الابتداء، هي صاحبة المسؤولية الكاملة في ما يحدث، ولا تستطيع السلطة في أي دولة أن تعفي نفسها مما يحدث من سلبيات اقتصادية وسياسية وأمنية وغيرها، ولذلك فكل ما سيحدث في أي إطار من الإطارات الثلاثة ستكون نتائجه "الحالية والتاريخية وللأجيال القادمة" مرتبطة بشخص السلطة فقط.
د.رياض القرشي
قراءة في الأزمة واتجاهات المعالجة 2396