هناك شخصيتان تتصارعان في الثورة ، شخصية اليمن، وشخصية الرئيس، وخلال هذه الأزمة تأكد أنهما لا يتوافقان، فينجح كعادته في تحويل أي أمر إلى أزمة سياسية، ثم يؤكد مهارته في التورط فيها والفشل في حلها.
لقد أنقذ تعنته الثورة من أن تصبح مجرد فورة، أو تتأثر بالثورة المصرية، فمدد زمن ورقعة الثورة وجعلها يمنية خالصة، وزاد الشباب ثباتاً ، فانضمت الأحزاب السياسية و ثم القوى القبلية والعسكرية، وحتى قوى الحزب الحاكم، فشهد هذا الانضمام تطبيقاً لنموذج يمني فريد.
التعنت الرئاسي مد الوقت ليتسع لثقافة ثورية ، وأصبحت للثورة العربية في اليمن مفاهيم خاصة تناسب اليمني وعادته وطرق إدارته للحياة، وساحات الثورة بدأت بتشكيل مفهوم مدني يمكن الاستناد عليه عند إنشاء الدولة المدنية.
لقد أكدت الثورة شخصية اليمن ذات الحكمة ، والقدرة على موازنة الأمور، ونفضت غبار الشخصية اليمنية، وزادتها ثقة في نفسها، وصلابة في آرائها.
كما أنها أكدت على شخصية الرئيس، بأنه لا يصلح لقيادة اليمن، وفسرت لماذا تأخر اليمن ثقافياً، وعلمياً، وزادت أزماته السياسية، إن شخصيته التي تميل للنزاع، وخلق الفتن، وتقترب من الأرعن في تصرفاته، والمرتبك في قراراته، تأكدت في هذه الثورة.
فظهر غير واثق من نفسه وممن حوله، يتخذ قرارات سريعة، ثم يتراجع عنها، عنيف ، و يميل للصراع ويجيد التحريض، وله قدرة فذة على إضاعة الفرص، كما أنه يتورط بتصريحات لا تدل على زلة لسان بقدر ما تدل على تخبط في الموقف، وعدم قدرة على قراءتها، وعلى شعور داخلي بعدم الأمان.
الثورة أظهرت الرجل الذي يتصنع القوة، والقادر على الدوام أن يرجع عن أي اتفاق أو وعد ، إنه رجل نكث الوعود ، وهذه الشخصية تحيط نفسها بهالة البطولة وتصور أنها عصية ، ويرى في التعنت ثبات موقف، وفي الرعونة قوة شخصية.
لذا فشخصيته لا تتناسب أبداً وشخصية اليمن التاريخية، أو الشخصية التي تتكون الآن في ساحات الثورة، لقد حول الثورة الشعبية إلى أزمة سياسية، وكان بوسع هذه الأزمة التي أنتجها، أن تحل بسهولة إن سلم الأمر، مادام في النهاية سيرحــــــل، لكنه صانع الأزمات الذي يفشل في حلها.
تعنته ضاعف عدد الخسائر البشرية، و المادية، و أهدر الوقت الذي لا حساب له عنده، و حول الثورة الشعبية إلى حال تأزم سياسي، وألب الشعب على بعضه.
لذا جاء الانعقاد الطارئ لمجلس التعاون الخليجي، وقدمت المبادرة، صحيح أن الثورة لم تتحول إلى حرب قبيلة أو تصعيد عسكري كليبيا، ولكن هذا راجع لتوازن القوى الذي جاء في صالح الثورة، فهناك قوى ردع استفادت منها الثورة السلمية، و لحد الآن القوى السياسية لم تجر إلى مربع العنف، لأنها أظهرت شخصية سياسية حكمية يمكنها قيادة البلاد خلال الفترة الانتقالية. وجر الرئيس الثورة إلى مربع الأزمة السياسية، ولكنه فشل في جرها إلى مربع العنف، وهو المربع المفضل لديه.
والأزمة التي أوجدها كان يمكن تسويتها، في وجود الأحزاب السياسية، على خلاف الوضع في تونس التي بلا أحزاب، و مصر التي فيها أحزاب كرتونية.
وبرغم أن الرئيس نفسه كان قد لوح بالحكومة الوطنية بقيادة هذه الأحزاب، قبل أن تؤكد عليها المبادرة الخليجية، إلا أن التلويح الرئاسي لم يتضمن الرحيـــــل، و أي عرض بلا رحيل، هو عرض فاشل.
وهو قاد الثورة إلى مربع الأزمة، لكي يظهر قوة، تخفي انه معزول، و لأنه لا يثق بأقرب رجاله، فقد أثار أزمة، ليمكنه التفاوض كرجل قوي لحصد مكاسب ما بعد الرحيل. انه يتشبث بالسلطة، للحصول على ضمانات الرجل القوي. فالتعنت هو رادع لأي محاولة للاستفراد به، لأنه يعلم انه وحيد، وسيكمل سيناريو الأزمة بعرض التخلي عن سلطته "التي يقدمها على أنها شرعية" مقابل صفقة ما بعد الرحيـــــــل، ليسوق لتقديم تنازل، يستحق عليه حصانة، و كأنه هو من يتنازل عن السلطة و ليس من يرغم على تركها، للخروج بمظهر مشرف .
إنها المناورة الأخيرة "لعلي عبد الله صالح" بطل المناورات، وهو الآن ينفذ سيناريو العنف، ولا يكتفي بالتهديد، ليبدو ذلك متسقاً وصورة الرجل القوي، وسواءً نجح في جر الثورة إلى مربع العنف أم لا ، فإنه ينجح في إبراز قدرته على احدث الفوضى.
غير أن بقاء الفوضى من جانب واحد، يضعفه، ولا يمكنه من استخدامها كسلاح للتفاوض، ولا يمكنه بذلك أن يقول انه شخص صعب " وليس لقمة سائغة".
اللقمة السائغة الآن، والتي تحيط نفسها بهالة الأزمة، لم تعد طرفاً مؤثراً فيها، فلا أحد يتفاوض معه، لأنه سد منافذ الحوار، فالذي يحدث الآن، هو طلب للرحيل دون اعتراف انه هناك رجل قوي، يجب أن يحسب له حساب، فأطراف الأزمة هم الشارع، والقوى السياسية، و مؤخراً "الخليج"، أما هو فقد تحول إلى موضوع الأزمة.
monasafwan@hotmail.com
* عن التغيير نت
منى صفوان
الرئيس.. لماذا حول الثورة إلى أزمة سياسية؟ 2589