لقد قلبت لنا الأيام ظهر المجن، وتفرقنا أيدي سبأ، وتكالبت علينا الأمم، وادلهمت علينا الدنيا واكفهرت بنا جنبات الحياة، وأصبحت تعصف بالأمة الأعاصير من كل جانب . . تنادي.. تصرخ. . تستغيث، علها وعساها أن تجد من يلملم شعثها ويستعيد مجدها أو حتى من يُسكَّن روعها ويداوي جراحها.. لكن ههيهات ههيهات فقد استمرأ البعض التمادي في إعلاء صروح الخراب ..كي يغدوَ الدَّمارُ حِكمة البقاءِ للأغبى..وصارت الديمقراطية في اليمن منافسة هدامة وتدميراً خلاقاً.. أصبحنا لا نشك قيد أنملة في قدرة الولايات المتحدة الأميركية الفائقة والغرب من ورائها على زرع الفوضى واستنبات أدوات الفتن والحروب في شرق الوطن وغربه.. عاكفة على طهي الفواجع وتقليب المواجع وتسعير الاحتراب في شماله وجنوبه بعد أن خلقت حالة من الإستعداء الداخلي أضحى الحليف معه عدواً والعدو حليفاً.. وفتحت المجال شاسعاً للمنظمات العميلة تمويلاً وتأييداً ورفداً لزعزعة بقايا سكينة وطمأنينة هنا وهناك..سحق ومحق سياسي وأمني تمارسه واشنطن اليوم وأذنابها في الشرق والغرب لاغتيال وطن لأجَلٍ غير مسمى وجعله مشاعاً ومباحاً للسلب والنهب مستعينة بدبلوماسية كاذبة لشرعنة الخراب الذي يعتمل هنا وهناك وإلباسه لباس العقلانية الغاربة في التمييع والتلميع والتسطيح والواقعيَّة الهاربة من الواقع والموضوعيَّة العارية عن الموضوع ، وفنِّ الممكن الذي لا فن فيه سوى الخراب والدمار..
نعيش اليوم حالة تخريب وإتلاف ممنهجة واسعة النِّطاق بدأت تجلياتها تطفو على سطح الواقع اليمني..هوساً جنونياً متسارعاً ومتداخلاً بقضايا الواقع وتداعياته.. جنوح أقلام وأفكار تصر على تحويل بلادنا إلى مساحة تفريغ لما يعتركنا من قضايا وهموم وانتكاسات دون أن يكون في وسعنا سوى المراقبة والقلق ؛واضعين الأكف على القلوب خوفاً من القادم الملبد بالغيوم ، فلا يكاد يمر يوم وخصوصاً الجمعة إلا ونحمد الله إن مر بسلام دون سفك قطرة دم .
) قتل؛ جرح ؛ سقوط ؛ اعتداء؛ خطف إلخ ).. عبارات مألوفة أضحت وسائل الإعلام تلوكها وترددها صباح مساء مع إضافة بعض البهارات والرتوش والمساحيق التجميلية عليها.. تارة تقيم القضايا وتارة أخرى تثير النعرات بواسطة مشائخ يحذرون وآخرون ينذرون وكتَّاب أصبحوا بين ليلة وضحاها فقهاء ينتصرون لهذا ويخوفون من ذاك مستغلة هذه السوق الرائجة لمزيد من التكسب والارتزاق ..وأي وسيلة إعلامية تريد زيادة عدد متابعيها فما عليها سوى الإتيان بموضوع أو مقابلة تسَّعر نار الاحتراب الداخلي في هذا البلد أو ذاك.
ترى متى نعيش حياة مدنية بعيداً عن لغة الفوضى والعنف التي أضحت تنخر في الوطن أرضاً وإنساناً... الجلافة والغوغاء وغلظ القول والضوضاء أمور باعثة على الحسرة والندامة وهي في الغالب سمات لأناس جهلاء متخلفين، هم بحاجة ماسة لتهذيب أخلاقياتهم وتشذيب سلوكياتهم ليتحققوا بالسلوك الحضاري والارتقاء بأنفسهم إلى مصاف الأشخاص الأسوياء.
اليوم الكل يصرخ ويتألم، الكل يمتعض ، الجميع تشرذم بين سياسي جاهل يستغل أبناءه وعدو دخيل يضمر السوء لهم ، ويتمنى أن يصل بالوطن حد الانهيار.. مهاترات سياسية وملاسنات إعلامية ..شد وجذب في معارك جانبية لفرقاء متشاكسين كل يدعي الأحقية والمنهجية.. تصريحات صارخة من هذا المسؤول أو ذاك تنكأ الجرح وتوسع الفجوة أكثر وأكثر عندما يصرخ الواقع المعاش من زيفها وتعطي الضوء الأخضر المشرب بالدم الأحمر لداعي العصبية أياً كان لونها "قبلية أو فئوية أو مذهبية ...إلخ " لممارسة المزيد والمزيد من إراقة الدماء .
مواقف يندى لها الجبين ولسان حال شاكٍ.. ثمة أخطاء جسام ومفاسد عظام تُرتكب بحق هذا الوطن من غير مراجعة أو تقويم والإصرار على المضي بنهج كيفما اتفق ودونما اكتراث.. وكأن المسألة أصبحت شبيهة بـ"شيك دموي مفتوح"! لصالح مجاميع طائشة وما على الجميع سوى الإذعان لهذه الحماقات التي تسيء من حيث تريد الإحسان ..متكئة على مبررات سينكب الوطن بسببها في أغلى ما يملك.
إن بلداً مثل اليمن لا يقوى على تحمل ضجيج المفرقعات النارية، ناهيك عن لعلعة الرصاص وقذائف الدبابات والطائرات التي إن دقت ساعة الشيطان ستحصد أرواحاً وأنفساً بريئة لطالما أعطت هذا الوطن عصارة عمرها وغاية إخلاصها وجهدها كي تحظى بوطن آمن مستقر يمنحها عيشاً هنيئاً في كنفه.
ما من شك بأن مشكلاتنا كبيرة وبدرجة عالية من التعقيد ؛ تتطلب حلولاً بنفس الحجم والمستوى وبحاجة إلى تبصر وقراءة في التجارب والنتائج بتجرد وبشورى حقيقية لا تجمع المتفقين والمتوافقين ليباركوا إنجازات وبطولات إخماد الوطن المتهالك.
الدور المؤمَّل تجاه الحفاظ على سكينة وأمن المجتمع كبير وكبير جداً بصرف النظر عن التحليلات الذاهبة يمنة ويسرة في موضوع العنف الذي سيقود اليمن إلى فوضى خلاقة إذا ما تم التعامل معه كورقة سياسية للضغط على طرف أو آخر ؛ حيث سيؤدي بلا أدنى شك إلى عنف آخر لا يقل خطورة عن العنف الموجود، فلا يمكن لعاقل أن يلعب مع مجنون أو يمزح مع غرٍ طائش.
ختاماً.. (تشخيصنا الداء لا يعني وصف الدواء، بل محاذير لا ضوابط).
Yonis210@hotmail.com
يونس الشجاع
الثورة..شريان للحياة أم ممر للهلاك؟ 1776