* عندما يتحول الحاكم إلى غول:
عندما يقبع أي حاكم في السلطة أكثر من عشر سنوات أو خمس عشرة سنة في الحالات الاستثنائية جداً، يتحول بالضرورة إلى عائق للتقدم.. هذه هي الطبيعة الإنسانية في أي مكان وزمان، السلطة مغرية لأي إنسان كان، وديمومتها تؤدي بالضرورة إلى المحسوبية والنهب والفساد، أياً كانت عفة هذا الإنسان ونقاؤه وثقافته وعلمه.. ما بالك إذا قبع في السلطة عقوداً من الزمن، فإنه وبلا شك يتحول إلى ديناصــــور وغول شرس يلتهم كل من يعارضه ويطالبه بالتغيير والتخلي عن السلطة.. نراه يتلذذ بتعذيب شعبه ويشعر بنشوة عارمة وهو يستنشق رائحة الدم، ويرقص طرباً على أنات الجرحى وعويل الثكالى والأرامل.
* تغيير النظام واجب:
إذا أردنا فعلاً أن لا نظل تحت القهر والاستبداد والفقر والبؤس والكبت والحرمان وأن لا نقبع دوماً في الحضيض وأن لا نظل مهزلة يسخر منا العالم، يجب أن يتغير ونغير النظام.. أن يكون لنا رئيس متعلم.. رئيس نهضوي له مشروع مدني حضاري، لا يختزل العلاقة بالآخر إلى صراع المماليك والتتار، ولا تهرول اليمن في عهده خلال ثلاث سنوات فقط من "144-151" في قائمة التنمية البشرية ونسبة الفقر "66%" ونسبة البطالة أكثر من "47%"، ولا تتحول اليمن في عهده إلى أرض لا يصلها سائح واحد تقريباً، في حين أن دولة مثل تونس، تمتلك شذرات قليلة من مقومات اليمن السياحية دون أن تمتلك بترول اليمن، تجذب عشرة ملايين سائح سنوياً وتتقدم على اليمن بحوالي مائة دولة في قائمة التنمية البشرية.. ومع ذلك ثار الشعب التونسي ضد النظام حتى اقتلعه لأنه لم يكن حراً.
* مشاهد من قلب الثورة:
شهدنا منشآت الفساد تتهاوى فوق رؤوس المسابقين إلى مهرجانات الزيف والموت مدفوعة الثمن التي سماها عرابي الحكم بـ"مهرجانات التأييد والمحبة والإخاء...إلخ"، التي جندت لاغتيال أحلام الشعب في التغيير، فكان أن حصدت العشرات من الضحايا، ولم يرف لسلطة الفساد جفن.. كيف لا وكل ما تفاخر به أنشطة معمدة بالدم، وحدة معمدة بالدم، ديمقراطية معمدة بالدم، انتخابات معمدة بالدم، وكرسي معمد بالدم ووو... هذه المعزوفات الدموية لسلطة عاشت بالدم وتصر على استكمال المشوار بالدم.
وشهدنا الإعلان الرسمي يفلت من عقاله كبقية الكائنات البشرية "البلطجية" الذين قذفت بهم أجهزة الأمن والقوات الخاصة إلى الأسواق والطرقات والشوارع وساحات التغيير ليلعبوا دور المجانين ومصاصي الدماء والقتلة المقنعين.
وشهدنا مثقفاً وسياسياً يدعي أن رصيده هو الديمقراطية الليبرالية يتهم الشعب وشباب الثورة والمعارضة بالخيانة والانقلابيين والأميين والشرذمة، لأنهم صدقوا أنفسهم واتخذوا قراراً بالتغيير وإسقاط النظام و"الزعيم" الذي لا يجوز تغييره وإسقاطه أو حتى منافسته على الحكم.
وشهدنا تهديداً سافراً بالدمار و"الصوملة" و"الأفغنة" والحرب الأهلية بغطاء تاريخي وضع فيه الحاكم نفسه في منزلة الآلهة التي أودت بـ"براقش" لأنها خالفتها.. إسقاط مفعم بالضيق من الثورة الشعبية التي عبرت عن حاجتها للتغيير.. وشهدنا.. وشهدنا.
* شباب يقرر مستقبله بنفسه:
ولكننا أيضاً شهدنا ملايين الناس وفي مقدمتهم الشباب يمزقون حاجز الخوف ويتدفقون إلى ساحات التغيير، حيث تتعانق المعاناة والأحلام معاً في مسيرة تستطلع المستقبل بكل ما يحمله من آمال للخروج من نفق الاستبداد والفساد والحكم الفردي السرمدي والفوضى إلى طريق يعاد فيه ترتيب قواعد وشروط المواطنة والتشارك وبناء الوطن، ليعم خيره على الجميع لا على قلة ممن سخروا اليمن لهم ولأبنائهم ومحاسيبهم.
والأروع أننا شهدنا الشباب ولأول مرة في تاريخ اليمن المعاصر يتحمل مسؤولية صياغة تقريره ومستقبله بنفسه وبصورة مباشرة، دون أن يتولى ذلك نيابة عنه أحد ما، سواء كان نخبة سياسية أو عسكرية، أو طلائع ثورية أو قائد همام أو زعيم ملهم.
alhaimdi@hotmail.com
محمد الحيمدي
دبابيس ...... 1482