لاشك بأن "التغيير" سنة من سنن الحياة، والتغيير ضد الجمود والسكون، فهو إذن بمعنى التطور والتجديد.. وما يؤسسه "الشباب" في دعوتهم إلى "التغيير" هو تجديد في المنهج السياسي المطلوب، ولعلهم بذلك قد أيقظوا الأذهان إلى أمر كان موارباً، فأقبل عليه "الجميع" بالرضى والقبول بدءاً من الشارع "الشبابي" ومروراً وانتهاءً بقمة السلطة، واستجابة من قوى المعارضة.
ولكن الواقع الذي خضع للشد والجذب، ولدّ عدم الثقة بين الأطراف كلها، دفع إلى نسيان أو تناسي "نقاط الالتقاء" التي يمكن من خلالها التوصل إلى معالجات متفق عليها، وبدلاً من ذلك بدأ كأن كل طرف له رؤية مختلفة جذرياً عن الآخر، وهذا الشعور أو الموقف زاد من حدة الشد والجذب، وولد تعميقاً في عدم الثقة، والحقيقة أن الأمر ليس كذلك.
نقاط الالتقاء بين الثورة الشبابية التغييرية "السلمية" وبين موقف السلطة متوافقة وكثيرة، ولنلاحظ:
1. قال الشباب: " التغيير" ، وقالت السلطة: "نحن مع التغيير".
2. وقال الشباب: "التغيير السلمي"، وقالت السلطة: "ندعم التغيير السلمي".
3. وقال الشباب: "تسليم السلطة" ، وقالت السلطة: "نوافق على تسليم السلطة".
نحن إذن مع توافق كبير نحو تحقيق الهدف الأساس، ولكن ما حدث بعد ذلك كان التحول إلى نقاط أخرى بعيدة، لعل من أهم أسبابها أنني اكتشفت بأن الشباب لم يتشكل لديهم تصور متكامل حول "التغيير السلمي" ونتائجه وأهدافه، فقد كان أساس مالديهم أن يتم تسليم السلطة ثم: "سوف نرى بعد ذلك".
وهنا يتفكك مسار "نقاط الالتقاء" ثم تزيد هوة عدم الثقة، وبخاصة مع استشهاد أكثر من "50" شاباً من الشباب المعتصمين في ساحة التغيير، بشكل أثّر في كل اليمنيين وأجج، من مواقفهم.
ولكن للنظر:
كان على الشباب حينما وصلت نقاط الالتقاء إلى الإقرار "بتسليم السلطة" وقالت السلطة: "لمن نسلم السلطة"؟ كان عليهم أن يمسكوا بهذه النقطة ـ وفي الحقيقة كان المفترض أن يكون لديهم تصور متكامل من قبل ـ وأن يقدموا آليات تسليم السلطة.
وفي هذا المجال أقول بكل ثقة: "إن أي معالجات لا تتم إلا في ضوء الدستور والقوانين النافذة" هذه هي شرعية العمل والتغيير، وهذا أساس تسير عليه كافة الدول".
ولكن نتيجة "سوء التفاهم" يرفض جانب "الشرعية الدستورية" ويرفض الآخر غيرها، ويظن كل طرف منها أنه نقيض الآخر، وأن الحق بجانب أحدهما دون الآخر.
ولو نظرنا إلى الموضوع بعقلانية لوجدنا أن الدعوة للشرعية الدستورية واحترامها تحقق أهداف الطرفين بل الأطراف كلها، وبيان ذلك:
يفكر الشباب بوجود حكومة مدنية تستلم السلطة، وتطرح المعارضة حكومة توافقية تستلم السلطة، والشيء الذي يؤكد "الالتقاء" أن الدستور يتحدث عن استلام الحكومة للسلطة أيضاً ، في حالة لم يتم من قبل نائب الرئيس أو من قبل رئيس البرلمان، وسواء كان "حكومة" في تفكير الشباب أو في طرح "المعارضة" أو "الحكومة" في نصوص "الشرعية الدستورية" فهذا يعني أن الشرعية الدستورية تحقق نقطة التقاء مهمة يمكن تعميقها بثقةٍ وتفاهمٍ دون أن تطغى "المصالح الآنية أو الحزبية" وأن يكون فكر " التغيير" الذي ينادي به الشباب قائماً على السلمية دائماً وعلى مراعاة القيم الأخلاقية، والانطلاق أولاً من "الإقرار بالاعتماد على نقاط الالتقاء" كما بدت في النقاط الثلاث السابقة.
ولي ملاحظة ـ تبدو لي مهمة جداً ـ تتمثل في التساؤل الآتي:
لماذا لا يعلن "الشباب" ثم "المعارضة" استنادهم إلى "ثوابت" في كل تحركاتهم السلمية وفي النتائج التي يسعون للوصول إليها ثم إلى الأهداف المطلوبة بعد ذلك؟!
وبشكل أكثر وضوحاً: لماذا لا يوقعون على ثوابت تقوم في أساسها على "الإيمان بالنظام الجمهوري" و"الإيمان بالوحدة اليمنية" وعدم التفريط فيها مطلقاً ، وتعمل كل القوى والجهات على هذا الأساس؟.