ما أشبه الليلة بالبارحة، فما يحدث اليوم في ليبيا من عدوان على دولة عربية مستقلة من قبل دول التحالف الآثم إنما هو خرف لميثاق الأمم المتحدة.. الذي يحرم استخدام القوة والتهديد بها، وها هو سيناريوا العراق يتكرر مجدداً في ليبيا.. العراق الذي دفع الثمن باهضاً ومازال جراء العدوان الغاشم من استباحة للأرض وإنتهاك للعرض وإهدار للكرامات والمقدرات وشهداء قد تجاوزوا المليون وأحياء فقدوا الأمن والأمان، ومعاناة وآلام لا تنتهي من بطالة وتدهور معيشي وبحث عن لقمة العيش في أكوام القمامة وتعليم في الحضيض وشباب نكست رؤوسهم في سجون الندامة وفتيات صارت في أسواق النخاسين إلى غير ذلك، إنها الإصلاحات على الطريقة الأمريكية لكل من لم يعجبه نظام صدام الذي وسموه بالدكتاتور والطاغية ووجد في ذلك النظام غبناً وظلماً وبحث عن الجديد المجهول لنجد عراقي اليوم يبكي عراق الأمس وكرامة الأمس بكل ما فيها من خير وشر لأنها أفضل بكثير من ديمقراطية أميركا التي لم تبق ولم تذر.
هذه الديمقراطية الزائفة التي تسعى دولة التحالف اليوم جاهدة لتطبيقها في ليبيا، وهاهي الأقنعة اليوم تتساقط لتكشف عن مؤامرة قذرة هدفها الرئيسي السيطرة على الثروات الطبيعية وبالأخص النفط سيما بعد أن فشلت تلك الدول عن شراء ذمة الرجل بكل السبل والوسائل المتاحة، فما وجدته إلا صخرة صماء تحول دون أطماعهم الاستعمارية لتقرر في نهاية المطاف التخلص منه بمكر ومكيدة وخديعة دبرت بطريقة شيطانية لإقصائه سخرت فيه "الجزيرة" كل طاقتها لتشويهه والتحريض على بلاده وشعبه لينتهي بها المطاف للترويج والتطبيل لدول التحالف وحثهم على التسريع في توجيه ضربة قاصمة.
وحتى تفتح شهيتهم أكثر فقد أعلنت أن قطر والأمارات قد قررتا دخول التاريخ من خلال المساهمة في المرحلة المسماه "فجر الأوديسا" الذي روجت له الجزيرة والقائمون عليها ليلاً ونهاراً مستدعيه جل طاقتها ومهنيتها التدميرية والتحريضية ليس بالأقوال فحسب وإنما بالأفعال أما نحن فقد صارت هذه القنوات المأجورة تفصّل ونحن نلبس، لا نسمع إلا صدى صوتها ولا نقبل إلا بحجتها وصرنا نتقبل ولا نعترض ولا نحتج.. إننا أشبه بمن يعاني من الإدمان ولا يرغب في البحث عن أسباب العلاج وإلا كيف نفسر تقبل شبابنا في العالم العربي لتلك التصريحات المدوية التي تعلنها الدنمارك من صراحة أنها اليوم بهجومها على ليبيا أنها تشن حرباً على الإسلام لا هوادة فيها، وهي التي أعلنت وسخرت من المسلمين وتجرأت على رسولنا الكريم بالإساءة والإهانة وأجبرت ذات يوم على الاعتذار لمّا وجدت في المسلمين من عزة وقوة وتلاحم وأما اليوم فقد وجدت الفرصة سانحة للانتقام والثأر حين وجدت الضعف والوهن والخنوع والتفكك والانقسام لتشفي غليلها سيما وأن جامعتنا العربية أو بالأصح الجامحة الغربية لأنها فعلاً كذلك.. فما وجدناها يوماً تتفاعل مع أي قضية عربية إلا بمنتهى التقاعس والتخاذل ولا إيجابية في قراراتها أو تفعيل لنصرة حق ودفع غبن وماغزة منكم ببعيد، فأين هم من غزة جراح الأمس ونزيف اليوم وربما شهيد الغد إن لم ينتقض الأحرار وثوار الحق.
فقد تضاعفت الجرعات من حصار وقتل تنكيل وغارات جوية في تحديات صارخة ونكث لكل العهود والمواثيق وكان حري بتلك الدول العربية المساهمة في فرض حظر على إسرائيل انتصاراً لدين الله ولنبيه الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم أو المساهمة في فك الحصار وإعادة الإعمار وإعادة الحقوق لأصحابها بدلاً من مساندة القوى الاستعمارية في ضرب وتدمير بنية بلد عربي شقيق.