خطاب "الموت" يقتات من صحن الأزمات ويمد جذور وعيه عميقاً في بركة من دماء غذتها الصراعات السياسية والحروب الأهلية المصدرة من أروقة الحكم لتغمر جميع أجزاء الوطن.. ومثل هكذا خطاب إنما استحضر أجواء الفتنة، عمّق الجراح وشرذم الصف الوطني، شق المجتمع إلى قلة من المتنفذين من ذوي الخوذات والصولجان.. وملايين الشعب المهزوم الذين عليهم أن يتحملوا وحدهم أوزار غزوات ونزوات السلطات.. ووحدهم فقط سددوا ويسددون فواتير هذه الحروب الآثمة نيابة عن مهند، سيما الضاغطين على زر تفجيرها.
ومفهوم الهزيمة والانتصار في خطاب "الموت" سلاح تبريري يعمل على خلط أوراق المأساة وإعادة فرزها وتوزيع مرتباتها على طرف وتبرئة الطرف الآخر المسؤول عن تفجير صاعقها وإغراق الوطن في بحور من الدم والتداعيات التي تلتف أنشوطتها على عنق البلاد والعباد.. خنقاً للآمال.. وتعويضاً لخطى الخلاص والتغيير.
استحضار أمجاد القوة في خطاب "الموت" والتلويح، بل استخدامها ضد الشعب والمعارضين السياسيين.. يعكس وضعاً مأزوماً وسلوكاً مغامراً يذهب في مغامراته بعيداً صوب الانتحار.. نحر العقلانية واستقرار الوطن نظاماً وشعباً.. زعامات حاكمة ورموزاً معارضة.
ألم يكن حري برؤوس السلطة تكثير عوامل الاستقرار وتنمية المشترك الآخر شعبياً وحزبياً.. بدلاً من اجترار بطولات من ورق.. ملاحم من هلام.. والبحث عن فزاعات وتواريخ وأمجاد.. تمنح الحاكم من خنادق المواجهات وحمامات الدم والنزف شرعية بديلة عن شرعية الإرادة الشعبية وضداً منها.
إن خطاب "الموت" الذي يلقى على صيغة تعاويذ وتمائم ترمي الشعب بهلوساتها وشعوذاتها وتصفهم بالانقلابيين والمتآمرين والشياطين.. لا يمكن له أن يعفي الجناة الحقيقيين عن جرائمهم ومسؤولياتهم وهم ممن أطلقوا الشياطين "البلاطجة" من قمقمهم.. ضغطاً على الزناد.. وإطلاقاً لرصاص الموت وسفك الدماء دون تمييز أو شفقة.. دون وازع من ضمير أو رادع وخوف من محاسبة قانون.. ومن ثم جر الوطن إلى مسلخ دموي نازف وأداء سلطوي عبثي عقيم.
ما الذي يحتاجه الوطن كي يؤبَّن؟، ويساق إلى حتفه أكثر من خطاب "الموت" هذا؟، وأي رابط يصل بين استذكار أصنج لفصول المآسي.. وإعلان خطاب "الموت"؟، إنها أسئلة تؤشر إلى أزمة يتم شحن وتحميل أسبابها وإعادة تصديرها صوب الآخرين.
أما نتائج الأزمة القادمة/القائمة مازالت جملة غائمة في خطاب الحكم/ خطاب "الموت".
محمد الحيمدي
خِطاب الموت .. 1721