في ظل سلطة الزجر والنهي.. التجريم والتخوين.. يراد من الشعب أن يتحول إلى كتلة صماء وحق التعبير وحزمة الحريات.. إلى نص محنط في فاترينة النظام .. مجرد مادة قانونية دست وسط حصار "الممنوعات".. والمواد المحرمة لفعل التعبير والتغيير.
فالحرية في ظل الترسانة القانونية لهذه السلطة ليست أكثر من نص كذوب محاصر بعشرات أدوات الشرطة ا للازمة: عدم مس الرئاسات.. عدم النيل من الثوابت والعقائد والوحدة الوطنية والمصلحة العليا والنظام الدكتاتوري قصدي الجمهوري والأمن والجيش والقضاء وغيرها الكثير من الصياغات القانونية "المطاطة".. حمالة الأوجه.. المفتوحة على تأويلات خانقة.. لكل همسة حرية تقال في فضاء مثقل بالعداء للآخر المغاير.. شعباً وأقلاماً وأحزاباً.
في سياق هذه المنظومة السياسية الحاكمة.. وهذا الإرث العدائي والنفسي الإقصائي.. تختنق الأصوات وتؤمم الإرادات.. وتصير الحقوق صحيفة اتهام تقود المطالبين بها والمدافعين عنها مكبلين إلى ساحة قضاء هو الآخر رديف ا لسلطة.. ووجهها غير المستقل، فالصحافيون خونة بموجب نص الخروج عن الثوابت.. والمعلمون المضربون المتظاهرون دفاعاً عن حقوقهم المشروعة المغتصبة تجري عملية تجريمهم بموجب نص "الإضرار بمصالح الوطن العليا!!".. ولكل تحرك حزبي .. مهني.. نقابي.. مدني.. شعبي.. كمينه القانوني الخاص به والمعد سلفاً.. لرمي أصحابه وترحيلهم" خلف الشمس بقوة قانون شمولي متعسف وفي مثل هكذا سياسات متوحشة .. رعناء.. لم يعد بمقدور أحد التكهن بطبيعة "ديمقراطية يمنية".. نقرأها فقط في إطلالة إعلام رسمي مريض.. ونشاهد عنترياته من بين أطلال .. الخطابة المنتمية لحقب ما قبل الحقوق المدنية، لم يعد هناك في الأرض ما يزكي صدقيه "ديمقراطية يمنية" حافلة بالقمع .. طافحة برسائل تهديد ووعيد خطباء الحروب .. خطباء الثكنات العسكرية .. وجوقات العزف على وطنيتها.. ودعاء حمايتها من مخاطر العدو رقم واحد.. الصحافة والمعارضة وكل مواطني الدرجة الثانية والثالثة والرابعة ووو من حقنا أن نسأل بقلق حقيقي عن أبعاد استعداء المؤسسة العسكرية والأمنية ضد مواطنيها.. وهي وطنية بحكم التاريخ.. ملك لكل أبناء الوطن.. وأي نبل يكمن وراء حقن القطاعات العسكرية .. بروحية الكراهية والعداء لكل من لا ينتمي لبرنامج وشخوص السلطة والحزب الحاكم؟!.
ليس هناك ما يمكن أن يلوح في أفق الخطابات الحزبية.. واللوذ بالمعسكرات كلما ضاق الحصار بالنظام.. سوى رسالة واحدة تختصر أبعاد هذه الذهنية المغامرة.. رسالة ترويع الشعب من السير خلف اعتقاد بحق وبإمكانية التغيير والتداول السلمي للسلطة.. واعتبار ذلك مجرد سراب أمنيات.. والانتخابات الحرة النزيهة خياراً كرتونياً للتسويق الخارجي.. وأن القوات المسلحة هي وحدها جدار الصد الأخير لكل من تسول له نفسه وديمقراطيته إمكانية التغيير وإسقاط سلطة هذا النظام بالنضال السلمي الشعبي الذي يخوضه الشعب وعلى رأسه شباب هذا الوطن كل الوطن شماله وجنوبه شرقه وغربه.. لأنها ـ السلطة ـ من وجهة نظر جهابذتها وعرابيها محصنة قوية لا تهتز ومن الاستحالة والمحال إسقاطها ـ لأنها جاءت بالدبابات المجنزرة وستظل رغماً عن إرادة الشعب المنتقصة من قدراته وثورته الهادرة الغاضبة المطالبة بإسقاط النظام من دون استخدام الذخيرة الحية وكثافة النيران .. هي ذات الذهنية التي بسطت هيمنتها على كل تاريخ اليمن المعاصر.. وهي نفسها من تطالعنا اليوم باستنهاض حمية المؤسسة العسكرية.. واختلاق أعداء وهميين لها.. هي نفسها من تقاوم اليوم فكرة تغيير الآليات الدموية بأخرى سلمية وحضارية.. ولعله ليس خارجاً عن نص الاستئثار هذا.. تذكير خطباء الحروب والثكنات ـ القوات المسلحة بكل موقعة حربية خاضتها دفاعاً عن رموز الحكم الحاليين واستحضار بإجلال وخشوع ـ صور ومشاهد دورات العنف.. لا بما هي عليه من وبالٍ كارثي صب على البلاد والعباد.. بل كمآثر خالدة خليقة بالتكرار.
وإجمالاً فإن خطباء الثكنات هؤلاء لم ينسوا أن يضمنوا تهديداتهم الكلامية.. التذكير بقدرات القوات المسلحة والإشارة إلى أنها مازالت هي من يمسك أولاً وأخيراً بين يديها مفاتيح الحل وزمام المبادرة وهي بالنسبة للسلطة وحدها خيار الحسم.
ولكن هؤلاء الخطباء نسوا أو تناسوا أن القوات المسلحة اليوم هي ليست قوات الأمن الماضي .. فهي اليوم ليست مسلحة بالسلاح الحربي فقط، لكنها مسلحة بما هو أهم من ذلك.. بالوعي والإدراك لواجباتها ومسؤوليتها.. وتعرف تماماً إلى من توجه السلاح إن تطلب الأمر ذلك.. والذي حتماً وبكل تأكيد لن توجهه إلى صدور الشعب الذي يدركون أنهم جزء من هذا الشعب ويدركون أنه صاحب المصلحة الحقيقة في هذا الوطن .. وصانع ثورته ومنجزاته وتاريخه.. وهي أي القوات المسلحة ـ من تملك مفاتيح الحل وزمام المبادرة وخيار الحسم.. كما تقول وتعترف السلطة بذلك.. ولكن لمن تحسم خيارها؟ أترك الإجابة للسلطة وخطباء الثكنات ـ مذكراً ومؤكداً أن قواتنا المسلحة لا تقل وطنية ووعياً عن القوات التونسية والمصرية والليبية.. واللبيب تكفيه الإشارة.