منذ بداية الألفية الثالثة والأزمات تتوالى تباعاً على الأمة العربية والإسلامية.. تتوالد الاحتقانات وتتراكم يوماً بعد يوم.. غدت الخيارات المتاحة للتعبير عن الرأي فعلاً ساذجاً لا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً، كما هو حال نقابات الشعب التي أضحت مثار سخرية وتندر عند الكثيرين.. وصار العقلاء لا يجيدون سوى الحسبلة والحوقلة في زمن وسم بصمت الضمائر وغموض المصائر.
واليوم هبت رياح التغيير لتزيح عن كاهل المقهورين الكبت الذين عاشوا تحت وطأته ردحاً من الزمن.. للمكان تدافع الغاضبين وللزمان زئير الثائرين.. انطلقت حناجر الغضب هادرة كالزلال والبراكين المتفجرة بغتة بأمر الله، لتسقط رموز "الحكم الجبري" وتدك عروشهم تمهيداً للنور القادم من مكة.
زعماء الغرب كعادتهم يسعون اليوم جاهدين لأن يكونوا "اللاعب الأمهر" على الساحة العربية.. مدعين زوراً وبهتاناً أنهم من رسم ملامح المرحلة بعيداً عن الكبت والقهر والحرمان، في حين هم من رسموا أبرز الأزمات التي قضت على كل ما هو جميل على امتداد المساحة الخرائطية للوطن العربي.. تناقض سياسة وسياسة تناقض لاستكمال سيناريوهات التفتيت وإخماد الأوطان والشعوب المتهالكة.
لكن أنى لهم ذلك.. كأنهم لم يدركوا بعد أن ثورة الشعوب اليوم ليست ثورة جياع أو بطون خاوية تبحث عن كسرة خبز وشربة ماء.. بقدر ما هي ثورة عقول لذعت من قبل عصبة مفتونة بحب الغرب حتى الانبطاح.. ثورة عقول لدغت من قبل سماسرة العرض والطلب الذين أرادوا الإجهاز على مستقبل تلك الجماهير الغاضبة بعد أن وأدوا عشرات الأجيال في رمال الفساد الاقتصادي وبحور الاستبداد السياسي وأنهار القهر الاجتماعي.. ثورة عقول غدت على واقع سياسي بائس وأفق اقتصادي مسدود، فخرجت لتدك عروش الطغاة.. كل الطغاة.
وكأن زعماء الغرب لم يدركوا بعد أن جماهير اليوم انطلقت ثائرة لأجيال ماتت كمداً وألماً، حسرة وقهراً، في المعجلة وغزة والفلوجة، وقانا وقندهار وسراييفو والبُسنة والشيشان وغيرها من البلدان التي رسم أولئك الزعماء وعملاؤهم المنبطحون بأيديهم القذرة أبشع الجرائم الوحشية بحق الأرض والإنسان.
زعماء الغرب اليوم شأنهم شأن زعماء العرب.. لا يستحقون شيئاً منا أكثر من الازدراء.. باتوا جميعاً محط غضب تلك الجماهير الثائرة لبلدانها التي تراها تحتضر بين يدي جلاديها وجلاوزتها، بعد ما تفننوا في مص خيراتها وثرواتها بوصاية غربية وعمالة عربية.
جماهير الغضب اليوم عصية على الموت إلا موتاً كريماً، تحيا من بعده أمة كريمة بأكملها.. لم ترتض تلك الجماهير لنفسها مجرد حياة منزوعة الكرامة.. فآثرت الموت بحثاً عن حياة كريمة وجدت الطريق إليها محفوفاً بالمخاطر ومليئاً بالعقبات الكأداء.. فكانت إرادة الله هناك لتكتب على يديها تاريخاً مجيداً لأمة طالما اشرأبت إليها أعناق الأمم من حولها.
نحن اليوم نعيش المستقبل بفعل تلك الجماهير فرحاً.. أملاً.. عدلاً.. بقلب جريح وجسد يتطلع لساسة كبار يستظل تحت عباءاتهم بحب وانتماء.. قلوبهم على شعوبهم وأوطانهم فعلاً لا قولاً.. وممارسة لا ارتجالاً.. وحقيقة لا شعاراً.
نعيش اليوم المستقبل بمزيد من السعادة والطمأنينة والتفاؤل حتى وإن كنا مدركين غاية الإدراك أن القادم القريب أكثر قتامة بفعل سياسة الغرب اللعينة التي تسعى جاهدة بكل ما أوتيت من أدوات إعلامية واقتصادية وغيرها للزج بالجميع في دوامة عنف متبادل بغية الإجهاز على ما تبقى من تركة الرجل المريض.. إلا أن ذلك الإدراك الذي يختلج عقولنا ويساور مشاعرنا سرعان ما يزول وتبدده رياح التغيير التي هبت بأمر الله لا بأمر البيت الأبيض أو الدونما أو المفوضية الأوروبية وسيجد جميع أطراف الصراع الذين سعت دول الغرب لاستثمارهم لمصالحها- سيجدون أنفسهم عاجزين عن فهم ما يدور ويعتمل، باحثين ولو عن قشة تنتشلهم من دوامة السحق والمحق السياسي التي قذفتهم فيها عاصفة التغيير الربانية التي لم تكن في حسبان أحد.. ساعتئذ ينبلج الفجر بنوره المنتظر الذي يملأ الأرض عدلاً.
Yonis210@hotmail.com
يونس الشجاع
النور القادم من مكة 1911