تلك هي بلا ريب الأنظمة العربية التي جرعت شعوبها ويلات المجاعات والفساد الإداري والمالي والبطالة، وصادرت جميع الحقوق المدنية والوطنية وأحرمت هذه الشعوب لذة العيش الهانئ والحياة الكريمة، بل بعضها زاد على ذلك أن زج بشعبه وبجيشه في أتون حروب ونزاعات ليوهم شعبه أنه الوحيد القادر على إمساك العصا من المنتصف وبسط الأمن والأمان وأنه لو رحل فستدخل البلاد في صراعات مذهبية وطائفية قد تؤدي إلى حروب أهلية ستأكل الأخضر واليابس..وكل ذلك ليضمن بقاءه على كرسي الحكم وليذهب الشعب إلى الجحيم.
ولهذه الأنظمة عقليات صدئة ومتحجرة قد عفا عليها الزمن، ولذلك تجدها تعامل شعوبها وفق قاعدة "جوع كلبك يتبعك" مع أنها قاعدة خاطئة وقد أثبت خطأها التاريخ السياسي على مر العصور والأزمان والذي أثبت أن أشد الثورات ضراوة "ثورة الجياع" وهذا هو بالضبط الذي يحدث الآن في البلدان العربية التي تتهاوى عروش أنظمتها واحداً تلو الآخر.
فهذه الشعوب قد أشعل جذوة ثوراتها الجوع الذي أوصل بعض أبنائها إلى مد أيديهم للغير ونبش صناديق القمامة ليأكلوا منها، كما فجر ثوراتهم الذل الذي يتجرعونه ليلاً ونهاراً من حكومات بلدانهم وأنظمتها الفاسدة.. فبرهنوا على صحة القاعدة الفيزيائية القائلة بأن "زيادة الضغط تولد الانفجار".. فلو كانت الأنظمة العربية مطلعة على تاريخ من سبقوهم من الأمم والحكام والشعوب لاستفادوا من الحقيقة التاريخية وفطنوا إلى أن أشد الثورات ضراوة "ثورة الجياع" ولما أوصلوا شعوبهم إلى هذا الخيار.
ولو كانت هذه الأنظمة لديها أدنى الثقافات العلمية لعملوا في حساباتهم على تفادي وقوع الكارثة بتحقيق القاعدة الفيزيائية، ولخففوا عن شعوبهم الضغط قدر المستطاع.
ولما جرعوا شعوبهم ألوان الظلم والذل والهوان وأحرموهم لذة العيش الهانئ والحياة الكريمة.. حتى أخرجوا هذه الشعوب عن نطاق الصبر والاحتمال ودفعوهم دفعاً إلى أن يثوروا في وجوهمم ويكيلوا عليهم الشتائم واللعنات، مطالبين برحيلهم بل ومحاكمتهم.
والعجيب في الأمر أن بقية هذه الأنظمة في البلدان الأخرى سرعان ما هبوا إلى الإصلاحات السياسية والإدارية والاقتصادية وإصدار القرارات القاضية بتحسين مستوى الدخل لأبناء أوطانهم كما قاموا بتوسيع هامش الحرية والديمقراطية في الرأي والتعبير والممارسات بل وسارعوا أيضاً إلى تقديم المبادرات والتنازلات قبل أن تطلب منهم، ومدوا أيديهم إلى قوى المعارضة في الداخل والخارج لإشراكهم في الإمساك بدفة الحكم.. كما بادروا ببسط أيديهم للحوار والتفاهم مع كافة الأطياف والقوى السياسية والاجتماعية في بلدانهم، بل زادوا على ذلك أن بدؤوا بفتح ملفات الفساد وإصدار أحكام على من جعلوهم كباش فداء عنهم من ذويهم وأخلائهم من المفسدين والناهبين للمال العام ليثبتوا حسن نواياهم وتوجهاتهم نحو الإصلاحات الاقتصادية والإدارية والعزم على اجتثاث شأفة الفساد في البلاد مع أن كل ذلك إلى الآن لم ينفذ على أرض الواقع.
فما كان ضرهم لو عملوا على ذلك من البداية أو حتى تنبهوا إلى العواقب الوخيمة لسياساتهم الخاطئة من وقت مبكر وحاولوا امتصاص غضب الشعوب قبل أن يوصلها الضغط إلى الانفجار.
أم أنها فعلاً أنظمة لا تعمل إلا بالعصا إذا لوحت بها من القوى الدولية جراء سياساتهم الخاطئة، أو أن هذه الأنظمة لا يوقظ ضمائرهم إلا العصيان المدني، أم تكون هذه هي الصحوة قد آن أوانها؟!.
محمد مهدي الذهب
أنظمة لا تعمل إلى بالعصا والعصيان 1817