ما الذي فعله ويفعله إلى الآن ملك ملوك إفريقيا وموسوليني عصره العقيد/ معمر سفاك الدم وأبناؤه التسعة وكتائبهم الأمنية, ألم يكفهم أشكال متعددة ومتنوعة من صنوف القهر والظلم والاستبداد والتعسف التي مارسوها ضد شعبهم الليبي طوال أكثر من "4" عقود, ألم يكفهم النهب المنظم لثروات البلد وتوزيعها على أنفسهم وفق وصية حياة العقيد، أما وصية مماته فلن تستحق حتى أن تكون ضمن أمتعة الهروب.
كم من نفس يريدون أن يزهقوها حتى يرحلوا, كم من امرأة يريدوا أن يرملوا حتى يذهبوا ,كم من طفل في عمر الزهور وكم من عائلات يريدون أن ييتموها حتى يغادروا ,كم من مشوهين وأصحاب عاهات مستديمة وجرحى يريدون أن يحصدوا حتى يتركوا البلاد وشعبها في حال سبيله، يقرر مصيره بنفسه؟، ما حجم الدمار والخراب الذي يريدون أن يحدثوه لبلد المجاهد "عمر المختار" حتى يشفى غليلهم؟، ما ارتفاع سقف الأذى والمعاناة الذي يريدون أن يسببوها لهذا الشعب المسالم والأعزل من السلاح حتى تخاطبهم أنفسهم المريضة من أنهم كانوا شجعاناً ما بعدها شجاعة وإبطالاً ما بعدها بطولة ورجالاً ما بعدها رجولة؟.
بعد كل هذا الجرم المشهود الذي ارتكبه ومازال يشنه زعيم دولة وأبناؤه التسعة وأجهزتهم الأمنية ضد شعبه، علينا أن نعترف أن الاختلاف بات واضحاً وجلياً بين ما تعرضت له ثورتا شعبي "تونس ومصر" وحرب الإبادة التي تزهق أرواح شعب "ليبيا" التواق إلى انتزاع حريته أسوة بشعبي البلدين الجارين ,عن "بن علي" وحاشيته بعد هروبهم خلفت مواجهتهم لثورة شعب تونس أوضاعا من المعاناة، ليست مشابهة بما حدث في مصر أو ما يحدث الآن لشعب ليبيا، حتى أن الحديث انصب أكثر فيما بعد عن فسادهم ونهبهم للمال العام وعناوين أخرى من الانتهاكات الإنسانية والأخلاقية التي تكاد تكون مشابهة لما هو موجود في الأنظمة العربية المماثلة , أما "مبارك" ونظامه فإن اختلافه عن "بن علي" الذي تحدث عنه قبل أن تهب عليه رياح ثورة شباب "25" من يناير وتعصف به من ميدان التحرير، فقد كان عبارة عن مشاهد سيئة سادتها البلطجة كل في مجال تخصصه، فالتقليديون منهم رأيناهم وهم على ظهور بغالهم وجمالهم في غزوتهم لميدان التحرير والتي مثلت شاهد إثبات بالصوت والصورة على بلطجية النظام، إضافة إلى ما وصف به نظام "بن علي",لكن فاجعة الاختلاف حدثت الآن في المنتصف بين كل من تونس ومصر في ليبيا حينما كشر "القذافي" وأبناؤه التسعة وأجهزتهم الأمنية القمعية عن أنيابهم في وجه شعبهم المسالم الذي تدفعه إرادته والتي هي من إرادة الله التي لا تقهر نحو انتزاع حريته المسلوبة وصلابة الاستعداد لدفع فاتورة حسابها مهما كان الثمن ,الاختلاف هذه المرة دم يتدفق ليل نهار سببه ارتفاع سقف المواجهة لشباب ثورة "17" من فبراير، اختفت فيها كل أدوات وأجهزة الشغب التي تستخدم في مثل هكذا حالات في كل بقاع الدنيا في تعاملها بحضارية مع شعبها وحضر على الفور الرصاص الحي وبجميع أحجامه ومسمياته الذي يتم إطلاقه وبكثافة على صدور عارية وبالتحديد في الأجزاء المميتة من الجسد الذي لا تخطئه العين، فتساقط الشهداء تلو الشهداء بالعشرات ثم بالمئات وقد تصل الإحصائيات الرسمية بعد إجلاء هذه الغمة إلى الآلاف من الشهداء وأعداد مضاعفة من الجرحى .
قسوة المواجهات وعنفها الذي أصر عليها الديكتاتور العقيد وأبناؤه وأجهزتهم الأمنية القمعية وفظاعتها وتبعاتها المؤلمة التي تحملها الشعب الليبي بشجاعة نادرة أثبت بالفعل أن إرادة الشعوب من إرادة الله التي لا تقهر، ففي الوقت الذي نبعث لهم بالتعازي في مصابهم الكارثي الأليم نراهم قد بعثوا بأكثر من رسالة وإشارة واضحة الحروف والمعنى في كل الجهات والاتجاهات عنوانها البارز إنه من السهل جداً أن يجد الطغاة وأعوانهم ساحات مفتوحة من الصدور العارية لقتل أكثر عدد منهم وبالطريقة التي يريدون وفي الوقت الذي يناسبهم وبالسلاح الذي يختارون ولكن عليهم أن يدركوا جيدا أنهم لن ينجحوا أبداً في إيقاف زحف شعب بأكمله قرر أن يقتلع عروش جبروتهم من جذورها حتى ينالوا حريتهم المسلوبة وكرامتهم المفقودة..
بعد درس ليبيا نتمنى أن يستوعب ما تبقى من الحكام من أن المواجهة الآن أصبحت مع شعوبهم لا شأن للأحزاب ولا للمنظمات ولا للقبائل ولا حتى لرجال الدين بها ولهذا عليهم مخاطبة شعوبهم بشكل مباشر وأسرع لرسم سياسة واضحة المعالم تحقق لهم سقف مطالب اليوم قبل أن ترتفع في الغد ,كما نتمنى أن لا تتكرر المأساة في بلد عربي آخر وأن لا نسمع خطاباً مماثلا لخطاب ديكتاتور ليبيا المليء بمفردات الجنون والإبادة وعبارات الدم الذي لابد أن يراق إلى آخر قطرة والتحريض على خوض مواجهات نتائجها محسومة ومفهومة قبل أن تبدأ فصولها لارتباطها بإرادة الشعوب التي هي من إرادة الله سبحانه وتعالى، فمن ذا الذي يستطيع أن ينال من سنة الله، أفلا تعقلون؟!.
طالما وأن ثورة الغضب الشعبية قد حققت هدفها الأساس حين استأصلت ورم سرطان عقدة الخوف من القلوب، فإن هذا المتغير الجديد كفيل بان يضع حداً لزمن ولى، ساده الخنوع والرضوخ لكل ممارسات الاستبداد والذل والقهر والهوان ,الآن شعوب الأمة العربية كلها من مائها إلى مائها مقبلة على حياة أخرى تنتصر فيها لإرادتها ومستقبلها وستدافع بقوة غير معهودة كما شاهدنا ذلك في تونس ومصر وليبيا عن حريتها وكرامتها وأحلامها وطموحاتها ومستقبل أبنائها حتى تحقق كامل أهدافها وستكون لها مشاركة فاعلة ومؤثرة في ترتيب وتنظيم وتأسيس كل آليات العمل المؤسسي لدولة النظام والقانون، التي تتمتع بالسيادة والعدل والمساواة والأمن والأمان والديمقراطية والتعددية السياسية وحرية الرأي والتعبير والدفاع عن الحقوق العامة والخاصة ودستور يلبي متطلبات الأمة كلها في تداول سلمي حقيقي للسلطة ,دولة تقف بشدة في وجه الظلم مهما كان نوعه أو مصدره ,دولة عصرية ينشدها الجميع .
صلاح محمد العمودي
لا مفر من أن تكون ثالثاً يا قذافي 1874