حينما كنت أشاهد القنابل الفسفورية وهي تتساقط على رؤوس أطفال ونساء فلسطين في غزة وعيناي تذرفان الدموع وأنا أدعو الله لأبناء الشعب الفلسطيني المظلوم المقهور المحاصر من الجو والبر والبحر عربياً ودولياً، أدعو لهم صاحب العظمة والجبروت المتوحد بالقدرة والجلال أن ينصرهم ويحميهم من بطش الصهاينة.
وكنت أقول اللهم لا تخذلهم فقد خذلهم زعماء العرب وتآمر عليهم إخوانهم في الداخل والخارج، وكنت أدعو الله أن يرينا في الزعامات العربية عجائب قدرته جزاء ما اقترفوه من خذلان وتآمر على فلسطين وشعب فلسطين.
وها نحن اليوم نرى عجائب وقدرة الله ولم ينتظر الفلسطينيون طويلاً، فهاهي غزة تنتصر ويرى أطفال غزة بأم أعينهم ونحن معهم نرى رأي العين القصاص العادل، فهاهي عروش الطغاة تتهاوى واحد بعد الآخر وهاهو الملك ينتزع منهم نزعاً ونراهم يدخلون مكسوري الجناح أذلاء ضعفاء مهانين تلحقهم لعنات الشعوب وأحذية الجماهير ونرى الناس تنفض من حولهم وجاءهم الطوفان من حيث لم يحتسبوا واحداً تلو الآخر وكأن الأمة العربية تعيش عصر الفتح المبين، نعم إنه عصر الفتح الأعظم كيف لا وهاهي الشعوب تحيى من جديد وتصنع تأريخها بيدها وهاهي تعود إلى سابق عهدها ومجدها، فبعد سقوط هُبل أكبر الأصنام وأشدها تآمر وخيانة لقضية الأمة الكبرى فلسطين وبيت المقدس من قزّم أم الدنيا وحاضرة التاريخ كنانة مصر مدد الأمة وصانعة التاريخ العربي هذا الذي بلّد رجالها وجوع شعبها وجعلها مستباحة ساكنة ذليلة مستضعفة مستجدية، هذا الذي حاصر غزة وجوع أبنائها ومنع عنهم المال والدواء والغذاء، ناهيك عن السلاح وخذل عنهم بقية الزعامات العربية الخاوية والخانعة.
فبعد سقوط هُبل لا تخافوا من بقية الأصنام، فسرعان ما تتهاوى أمام الزحف الهادر أمام شباب المستقبل صناع فجر العرب المشرق الذي أشعله "محمد البوعزيزي" -رحمه الله، فالمارد العربي خرج من الأسر وكسر حاجز الخوف وانتقال الخوف والرعب من الشعوب إلى الحكام الذين باتوا يعيشون خلف الجدران الموصدة كالفئران تلوذ من حجر إلى حجر.
وشعوب الأمة وشبابها يتسابقون على الشهادة كما يتسابق العرسان إلى ليلة الزفاف وما أن يسقط شهيد حتى تزحف الجماهير كالسيل الهادر ويزداد طلاب الشهادة ويخرج الشباب إلى الميادين بصدورهم العارية وأجسادهم الطاهرة يواجهون المصفحات والخيزران بالهتاف الخالد "الشعب يريد تغيير النظام" "إرحل إرحل: الشعب مل ما يحبوك".
وما أن تنتهي الجماهير من القضاء على تلك الأصنام المحنطة على كراسي الحكم حتى تزحف نحو تحرير فلسطين بإذن الله وما ذلك على الله بعزيز وأن غداً لناظره قريب.
نور الدين محمد علي
غزة تنتصر .... 1889