كنت أظن ان دراستي الجامعية وثقافتي الواسعة كفيلة بمحو جهلي ومحاولة فهم من حولي ، ولكني اكتشفت أنّي فشلت في إدراك سلوك البشر ومفاهيمهم وتصرفاتهم الغير مسؤولة ..
تعبت وأنا أرى بأم عيني ظلم البشر للبشر ، وقسوة قلوبهم ، فأصبحت أحس بمرارة ويأس يسيطر على كيان.. من بعض المواقف التي مرت بي و أوحت إليّ بهذا الجهل ..
قبل (شهور قليلة) صعدت امرأة إلى الحافلة - التي كنت استقلها مع صديقتي- برفقة طفلها ذو الثمان سنوات والدماء تنزف من بطنه وهي تمسحه بمناديل ورقية ، في بادئ الأمر حسبناه جرحا بسيطاً عرضياً ، ولكن كانت المفاجأة حين علمنا ان بطنه (مفتوحة) !! والدماء تنزف (بغزارة) ، حتى صار مصفر اللون نحيل الجسد وكأنه على مشارف الموت ، يلفظ آخر أنفاسه !!. أخبرتنا أن ابنها تعرض لحادث فدخل (سيخ) حديد في بطنه واخترق إحدى كليتيه !! ذهبت به إلى المستشفى لإسعافه ولكن ( ملائكة العذاب) رفضوا استقباله أو حتى (خياطة الجرح) ليتوقف النزيف ،لأنه ليس لديها (مال) !! عجبي على سلوك أطبائنا الكرام وسعيهم وراء المال ممن لا يملكه !!
عادت منكسرة القلب ، تشكو إلى الله جور وظلم البشر، وحال ابنها الذي صار (جلداً على عظم ) ، وكأنه لم يعد بجسده قطرة دم !! في منظر تأسى له القلوب المتحجرة وتسيل له الأعيُن دموعا محرقة، ولكن ظل الجميع مكتوفيّ الأيدي ينظرون فقط .. وبصمت..!
لم يعد غريبا علينا ، ولم نعد نسأل ما بال (ملائكة العذاب) تحجرت قلوبهم ولم ( ولن ) يرفقوا بحال الطفل الموجوع والأم المكلومة على وليدها ؟! ، فلقد سئمنا منهم ومن أساليبهم القاسية وتعاملهم الأرعن وأخطائهم القاتلة مع الكثير من (الضحايا) ممن كتب عليهم القدر أن يكونوا تحت رحمة (مشرط) أحد هؤلاء الذين يسمونهم ( أطباء) ..( صراخ ، ونعيق ، وقسوة ، وتجهم)
في وجوه المرضى من النساء والأطفال والعجزة الذين لا حول لهم ولا قوة ، يتصرف كأنه الوحيد المتحضر( والفاهم ) في المجتمع والبقية ( جهلة متخلفون ) !!، وكأنه يخترع (الذرة) بتلك الوصفة ( العجيبة) أو ذاك العلاج ( السحري ) باهظ الثمن ، الذي ( يُلزمك ) بأن تشتريه من الصيدلية ( الفلانية ) التي هو شريك فيها ، والفحوصات التي ( يتوجب ) عليك ان تعملها في المختبر( الفلاني ) لان له نسبة من أرباحه وإلا فلن يقبل بها بتاتاً.. بغض النظر عن الحالة المادية للمرضى فلا يهم ابداً إلا أن يأتي بما هو مطلوب منه ، ويفرغ ما في جيوبه من اجل الأدوية والعلاجات- التي لا تجدي نفعا في أغلب الأحيان - (أملاً) في الشفاء ، واغلب هؤلاء يأتون من القُرى الريفية والنائية جاهلون بأساليب التعامل في المدينة ، والطامة الكبرى ان اغلبهم يتعرضون للسرقة من قبلْ بعض عديمي الضمائر ، الذين يتصيدون هذه الشريحة الضعيفة في المستشفيات وعلى الطرقات بشتى الطرق والوسائل الدنيئة ..!
فكل يسرق و(ينشل) بأسلوبه وطريقته.. فـ (بالله عليكم) .. ماذا نتوقع من هكذا بشر ؟!
صار الكثيرون يفضلون الموت على أسرّتهم في منازلهم على الذهاب لأحد الأطباء لتلقي العلاج ، أو بمعنى آخر ( لتفادي الموت العاجل )، حيث أصبحت مهنة الطب عند (البعض) تجارة وسلعة (بدل) أن تكون مهمة (إنسانية) ، ويد حانية لتخفيف الآلام والأوجاع وصار الذهاب إليهم (إنتحار ) من نوع آخر.
لم يكن أمام هذه الأُم المكسورة الجناحين إلا أن تعود به إلى المنزل وتقوم بوضع ( الخرّق القماشية ) على جرحه لتجفيف آخر ما تبقى من دماء في عروقه!.
يسدل الليل ستاره وينام البشر ويغط الكون في سبات عميق ، ولا نعلم هل عاش الطفل الجريح إلى الصباح أم أن روحه فاضت إلى بارئها ، ولكن المؤكد أن لعنة الظلم والقسوة قد حلت على بشرٌ وما هم ( بـبشر) يملكون قلوباً فقدت إنسانيتها وتناست عهد وشرف المهنة ..
إنهم بحق .. يستحقون وبجدارة لقب ( ملائكة العذاب ) ..! ولا حول ولا قوة إلا بالله !!
كلمة حق :
حتى لا يقال أني (مجحفة) لن أنسى أن أوجه تحية إجلال وإكبار لكل طبيب (إنسان) عرف سر مهنته والغاية منها وكان سبباً في شفاء و رسم ابتسامة على وجه الكثيرين ، فكل ما تعمله من عمل عند الله تجده .. لك أو عليك ، وكما تُدين تُدان..
ملاك عبدالله
ملائكة العذاب 1922