لطالما أحزنني تخلي معظم أبنائنا الشباب عن طموحهم وأحلامهم في الرقي بأنفسهم وبأوطانهم و أقلقتني حالة اللامبالاة التي يعيشونها.. وانحصار تفكيرهم فقط في مسألة اللبس والمظاهر الكذابة وتسميتهم لكل مايلبسونه من لبس شاذ وغريب ولكل ما يقومون به من تصرفات غير مسؤولة بالحرية.. فالحرية ليست الفوضى في ارتداء الأزياء الدخيلة على مجتمعنا أمثال بنطلونات "طيحني والملابس الضيقة اللصيقة جدا بأجسادهم".. كما أنها ليست في إطالة الشعر إلى حد لم نعد نفرق فيه بين البنت والولد وليست في الانحلال والعبث الأخلاقي..
الحرية هي أن يستعمل الإنسان حقه دون أن يشوه صورة الشباب العربي الذي كان دائماً ما يتصف بالشهامة وبأن أخلاقه أخلاق فرسان.. الحرية هي أن يذود عن حقه بشجاعة وصلابة دون أن يعتدي على حقوق الآخرين.. فالحرية كرامة وقوة وعمل وإنسانية.
لكنني اليوم أجدني وقد تحول حزني إلى فرح وقلقي إلى اطمئنان و ذلك بعد رؤيتي للشباب الدين توافدوا بالمئات من مناطق القلوعة والمعلا والتواهي وقاموا بمظاهرة سلمية يجوبون بها شوارع التواهي وعند قربهم من مبنى الإذاعة والتلفزيون ومحطة البترول المجاورة له قام بعض المتظاهرين الشباب بالاصطفاف جنباً إلى جنب وكل واحد منهم ممسكاً بيد الآخر ليشكلوا سياجاً بشرياً يحمون به المبنى ومحطة البترول ولكي لا تنحرف مسيرتهم عن طريقها الصحيح وحتى لا يدخل بعض العابثين ويعطلون هذا المظهر الحضاري الذي رسموه لمظاهراتهم.
ساروا زرافات وجماعات مرددين مختلف الهتافات والشعارات المعادية للفساد وسلطته، حاملين اللافتات التي تعبر عما يعتمل في نفوسهم.. منظر يشرح القلب جاء ليخبرنا بأن شباب اليمن مازالوا بخير وبأنهم مع التغيير والعيش السوي وبأنهم ضد أي تخريب أو قمع أمني..
فبعد أن كانوا يهتمون بلبسهم أشد من اهتمام الفتيات له لقد تخلوا عن هندامهم (الأوفر) وجاءوا بلبسهم البسيط ببساطة مطالبهم.. كما أفرحني جدا موقف رجال الأمن المنتشرين أمام مبنى التلفزيون هم و أسلحتهم ومدرعاتهم، فقد كانوا بمنتهى الأدب، لم يحاولوا حتى الاقتراب من المظاهرين، ظلوا ينظرون إليهم بإعجاب وهم يصنعون من أنفسهم جدارا يحمون به الممتلكات العامة .
لماذا تنزعج السلطة من هكذا مظاهرات ومسيرات؟، فأنا شخصياً لست أرى في مثل هذه الأصوات ما يدعو إلى الانزعاج وما يستوجب منها شحذ أسلحتها الإعلامية والأمنية لقمعها.. فهي ظاهرة طبيعية في مناخ العصر الذي نعيشه والذي يؤمن بالديمقراطية وحرية الكلمة وينادي بحرية الرأي والرأي الأخر.
لماذا ينزعجون من هده المظاهرات وما يصاحبها من شعارات وهتافات؟، لماذا يصابون بهول المفاجأة من نتائج طبيعية لأمور كانوا هم السبب فيها ؟ إن الحكومات السيئة تؤدي إلى نتائج سيئة.
إن الشباب لهم مطالب وفي قلوبهم مرارة وفي نظرتهم حقد دفين جاء نتيجة استباحة أقلية طبقية جميع المحرمات ( للتكويش) على كل الثروات.. فقد أتعبهم رؤية السلطة وهي تصنع الأكاذيب وحكومة تنهب الثروات وتخفي الحقائق وتتخطى القوانين.. حكومات لم تقدم لشعبها سوى الفقر والفساد والبطالة والمحسوبيات.. فعندما أحس هؤلاء الغارقون في وحل الفساد بأن مصالحهم في خطر وبأن الأرض تهتز من تحتهم أعماهم ذلك الإحساس عن رؤية حقيقة واضحة كالشمس لأنها ضد أهوائهم، فسارعوا بشتم هؤلاء الشباب واتهموهم بأنهم أعداء للوطن بينما الأعداء الحقيقيون هم من يحجبون الحقيقة ويشوشون الواقع بقولهم: كله تمام يا فندم.. يصورون التحركات الشبابية المطالبة بالعدالة الاجتماعية والعيش الكريم بأنهم جماعات فوضوية خارجة عن القانون مرتبطة بأجندة خارجية.. ولكن في الحقيقة إن هؤلاء الشباب أكبر بكثير من أن نسميهم عملاء وفوضويين لأن معاناتهم وصرخاتهم ذات جذور رويت بالمظالم الاجتماعية والاقتصادية والأمنية..
جذور بطانة فاسدة ظلت تعاني منها الغالبية الساحقة من أبناء هدا الوطن المفدى..
لحظة..
نداء أوجهه إلى شباب الوطن الواحد إلى كل المتظاهرين والمحتجين: لابد من تنظيم الصفوف والابتعاد عن التخريب والعبث بالممتلكات العامة والخاصة وعدم الاشتباك برجال الأمن فهم إخوانكم وان مافيهم من ظلم أكثر مما فيكم.. و لتكونوا إنسانيين وحضاريين في أفعالكم و تصرفاتكم، فالعالم يراقبكم ويستمع إلى كل ما تقولونه.. ووسائل الإعلام العالمية ترصد كل ما تقومون به سلباً وايجابياً.
سعاد محمد عبدالله
الموت ومسيلات الدموع أهون من الفقر وذل المعيشة 2137