لا أدري لماذا تصر الشعوب العربية على طرح مفهوم جديد للديمقراطية على شارعها السياسي الموبوء مسبقاً بشتى أنواع التبعية التي سلبت حق الإنسان في التعبير عن رغبته القصوى في التغيير الإيجابي هروباً من سطوة السياسات الجائرة، التي أسرجت ظهر البشرية وساقتها إلى منعطفات قومية وعرقية وحزبية متشتتة، لم ينتج عنها في النهاية إلا وجود الأقليات الصامتة على حساب سلطة علوية متحدثة باسم الجميع أفكاً واختلاقاً.
سياسات الحكومات تختلف من مكان إلى آخر وردود الأفعال الصادرة عن شعوبها مختلفة أيضاً من مجتمع إلى آخر وفقاً للمفهوم الوظيفي للتغيير والقدرة على طرح البرامج المناسبة لتحقيقه وهذا وارد اجتماعياً لدى الذين يعطون القيمة الحقيقية لمفهوم الديمقراطية وليس لدى الذين يتركون شعوبهم تواقة باستمرار لمعرفة المفهوم ذاته بشكله التطبيقي، ولهذا يبقى كل ممنوع مرغوب دائماً.
الانجراف الاجتماعي الذي يبدو واضحاً في مجتمعات عربية اليوم يعتبر رد فعل مناسب معنىً واتجاهاً لانجراف ثقافي سابق كان متراكماً منذ القرن الماضي وقد أصبح تطبيقه اليوم ممكناً بعد إغراق الشارع العربي عموماً بأدواته المتاحة، ذات الازدواجية السياسية المؤثرة في الثقافة العامة للشعوب على اختلاف منشأها وخبراتها التراكمية.
والملاحظ أن موجة شبابية عاتية هي المتحكمة تقريباً في قيادة التيار السياسي الجديد، الذي يضع الشعب على كفتي الميزان دون اعتبار لوجود الحكومات على أساس أنها صانعة الأزمات العربية على الأقل في نظر المنظرين للتيارات الجديدة.
وبالرغم من وجود صناديق اقتراع كحكم متمكن من رصد حركة الديمقراطية في محورها الانتخابي إلا أن الثقة المتزعزعة بين الشعوب والحكومات وصلت حد الخيانة وأصبح الطلاق الشعبي للحكومات وارد الحدوث ليغني اللي بعد ذلك كلاً من سعته!.
هذا التداخل الغير معقول بين إرادة الشعوب على اختلاف ثقافاتها وتاريخها السياسي والحكومات التي تدعي الديمقراطية قولاً لا فعلاً يخلق نوعاً من التشتت والانقسام الواضح والناشئ عن تيارات موالية وأخرى معارضة ضمن الفئة الاجتماعية الواحدة وفي إطار النسق الحزبي الواحد.. لتظهر صورة النظام الحاكم عارية من مسؤولياتها في تحقيق التوازن ورسم قواعد العدالة في المجتمع ومنح الفرص الحقيقية للشعب لاختيار مصيره السياسي والاجتماعي والإيديولوجي.. مما يعكس صحة وقوة البرامج المشتركة بين الشعوب والحكومات.
المحرضون على الفوضى هم زبد السياسة الفاشلة التي لم تستطع أن تمسك بزمام الراحلة وهم غثاء هذا السيل الذي تدفق بغزارة قبل أن تمطر سماء الانتخابات رصاصات الرحمة الأخيرة على جسد الشعب!!.
المحرضون على الفوضى هم جملة الهامش التي ألغت وجودها أجندة الشعب وطموحه العالي في خلق يمن جديد يحتكم لصناديق الانتخابات من أجل تحقيق التغيير.
ومع إيماننا العميق بوجود الفساد إلا أن إيماننا أعمق في إحداث موجة سياسية راقية انتخباياً تحقق رغبة الشعب في تعميق مبدأ الديمقراطية بين أفراد الشعب.. حيث أن ذلك سيلغي فكرة التمحور حول حزب حاكم أو معارضة خارجة عن سياق الحكم أو حركات مناوئة خارج حدود الدولة تماماً.
التخريب وخلق حمى التمرد بين أفراد المجتمع سيقود إلى انقسامات شعبية ذات سلالة رجعية لا تملك أدنى فكرة عن حكم الشعب لنفسه، خاصة كون الحس السياسي في اليمن يرتبط ارتباطاً قوياً بالعشائرية والقبلية والسلطة المناطقية.. إضافة إلى أنه يرتبط أيضاً بالمجال الاقتصادي الذي فرض نوع من الطبقية الاجتماعية الجائرة بين أبناء الشعب.
اليمن جنين في رحم السياسية لم ينقطع حبله السري بعد عن جسد التناقضات الفريدة في المجتمع اليمني ولهذا فإن إقحام اليمن في سياسات دول الجوار أو الدول الشقيقة ذات الجذور السياسية العميقة والتي ستكون انقلاباتها انعكاساً حياً لثقافتها السياسية الشاملة بعكس الذين يحاولون تسييس التيارات المتعثرة بالجهل والفقر وإقحامها في سعير السياسية والبحث عن المصلحة الشخصية.
اليمن لا زال تلميذاً في مدرسة الديمقراطية وصنع القرار واتخاذ الوضعية المناسبة للخروج من دائرة السياسية المعتمة إلى ساحة المشاركة العادلة بين الشعوب والحكومات.
ألطاف الأهدل
التخريب لا يصنع السياسة العادلة 2180