للحرف في الفم طعم وفي اليد لون وفي العين والقلب وقع.. كلمات نتلاعب بها حين نكتب لإبهار القارئ أو التعالي عليه.. ونحن حين نكتب لقضية ما نكتب لأسباب عديدة أذكر منها ثلاثة أسباب:-
1- الإيمان بهذه القضية والاستعداد للنضال في سبيل انتصارها حتى لو عرضنا موقفنا ذاك إلى تقديم رقابنا مهراً لما آمنا به ووهبنا الروح ثمناً وقرباناً له.
2- سبب مفتعل أحياناً لإرضاء فلان أو نفاقه بغية مصلحة أو تقديم صك الولاء لضمان مصالح ذاتية على مدى قريب أو بعيد.. وهذا ما يجعل من الكتابة لوناً من النفاق "الحامض" ونوعاً من التزلف وتقبيل نعال من نكتب له وفي سبيل إسعاده وإرضاء غروره ونرجسيته و"تلميعه"..إلخ.
3- فبسبب أسخف من السخف نفسه.. فهو مجرد الحصول على "المكافأة" المرصودة مقابل ما نكتب.. وما أكثر هذا الذي نقرأ في هذا المجال.. وما أكثر ما نسمع من القراء عبارات الاستهجان لمثل هذه الكتابات.
إن عشق الحرف والإيمان بالقضية التي نؤمن بها ونكتب من أجلها يدفعنا ذلك إلى أن نراجع ما نكتب أو قبل ذلك نتروى لكي نكون أولاً صادقين مع أنفسنا ومع من يقرأ لنا حتى يحترمنا هؤلاء الذين يقرأون لنا.. أما إذا كنا نكتب لمجرد "تلميع وتنكع" أسمائنا في هذه الصحيفة أو تلك فإننا بذلك نمارس "العُهر" الذي لا اعتقد أن ثمة جريمة توازي مثل هذا الجرم.
أريد أن أصل في نهاية الأمر إلى: أن الأمانة الصحفية والأدبية تفرض علينا أن نكتب عن شيء نؤمن به ونناضل من أجل أن يتحقق، وذلك في سبيل تقديم الجديد والمفيد للقارئ الذي نريد أن نكون محل احترامه، نحن نقرأ أيامنا هذه وأقولها بكل أسف ومرارة، الكثير من الكتابات بمختلف أجناسها وأنواعها السياسية والاجتماعية والأدبية والتاريخية ..إلخ.. فلا نجد فيها من الجهد والرؤية والرؤيا والإبداع والمضمون ذات الهدف السامي النبيل والمفيد المثمر.. وقول الحقيقة ونقد الأوضاع السيئة في المجتمع وتعرية مكامنها وأسبابها والمتسببين فيها وطرح الحلول والمقترحات بغية إصلاحها أو حتى الحد منها.. لا نجد فيها زاداً أو "رائحة" زاداً تغذي العقول بالمعلومات الجديدة المفيدة الهادفة.. لا نجد فيها ما يغذي الروح بفاكهة لذيذة أو كأس مترع ومتعة تسر الخاطر وتجلي الهموم والكدر.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا وبقوة.. لماذا؟!
لأن حاجة البعض أو سعي البعض الآخر وراء الكسب يدفعه إلى الكتابة عن قضية وهي ليست قضية.. وكل ما في الأمر أن حياتنا الصحفية مصابة بنوع من الخلل يحتاج إلى وقفة جادة ومسؤولة لنكتشف مكمن هذا الخلل.
إن الباحث عن الشهرة دون كفاءة عن طريق الكتابة بمختلف الأشكال والأساليب.. مثله مثل ذلك الذي يكتب ليحصل على مبلغ ما مقابل كتاباته تلك.. ويذهب ما كتب وما قبض مقابل ما كتب هباءً تذروه متطلبات الحياة في الآخر وفي مهب الريح في الأول.
فرفقاً بالقراء أيها المصابون بإسهال الكتابة ورفقاً بعمال الطباعة وجهود الموزعين.. وليكن في العلم أن القارئ عندنا مثل غيرنا يستطيع التفريق بين الغث والسمين.. والله من وراء القصد.
alhaimdi@hotmail.com