الحرب اليومية على الشعب
يخطئ كثيراً من يظن أن الخراب الاقتصادي يضرب أطنابه في كل مرافق الحياة اليمنية كان فقط ثمن فواتير حرب صيف 1994م.. صحيح أن لتلك الحرب القذرة المشؤومة أثراً كبيراً فيما وصلت إليه الحالة اليمنية، ولكن الحقيقة أن الأوضاع التي نجمت عنها هي التي مهدت لحروب أخرى..
حروب يومية تشنها السلطة على بسطاء الناس.. حروب تستهدف إفقار الغالبية العظمى من الشعب ونهب ثرواته العامة والخاصة، واستخدام آليات الدولة "الشعب" ومقدراتها في تحقيق وضمان المصالح النفعية لفئة محدودة من السكان تستأثر بالثروة والسلطة معاً، وتسوم من لا حول لهم ولا قوة سوء العذاب.يتم ذلك بكل الطرق والأساليب المشروعة وغير المشروعة ابتداء من رفع أسعار السلع والأغذية، مروراً بالمتاجرة بالعملة وأضعاف قيمتها الشرائية، والاستحواذ على نصيب الأسد من الثروة النفطية وعلى الأراضي والمراكز الإدارية وما يستتبعه من عبث ونهب للمال العام وتوظيفها العليا ومقدراتها وثرواتها إلى "فيد" للمتفنذين والمتسلطين الذين يزحفون اليوم على ما تبقى من مؤسسات القطاع العام لتصفيتها والاستحواذ عليها بما فيها تلك الخدمية والتي كانت تغطي جزاءاً بسيطاً من احتياجات عامة الشعب.
إن هذه "إلا وليجارسيا" التي تعمل بعجلة من أمرها، لا يمكن أن تتحول إلى رأسمالية وطنية تؤسس لقاعدة اقتصادية وصناعية مالية قوية تسهم في إحداث تحولات كبرى في المجتمع، ولكنها تعمل بعقلية المتنفذين والنهاية الذين لا يجدون متسعاً من الوقت أو لا يملكون القدرة على التفكير بمثل تلك القضايا، بل يلهثون للاستئثار بأكبر قدر ممكن من الغنيمة.. ويدفعون باليمن إلى حافة المجاعة والدمار.
الشعب اليمني يعيش بالفعل حالة حرب.. حرب يومية يدفع ثمنها يومياً من لقمة عيشة ومن مستقبله الذي حيفه الغموض والمخاطر وسوء المصير.
قانون المزاح:
يتوهم البعض أن في هذه البلاد قانون ويبحرون في مجاهل الوهم أيضاً حينما يلهثون وراء القانون الذين يقنعون أنفسهم بحجج ومبررات ظانين أنه ـ القانون ـ إنهم بذلك يضربون المثل في التمسك بالأنظمة والقوانين!!.. في اليمن يوجد قانون "المزاج"، أما كل ما يصدر عن المؤسسات التشريعية والتنفيذية فلا يعدو أوراقاً تتكدس وتحفظ في الأضابير والأدراج، ولا يتم حتى الاستئناس بها فما بالك بتطبيقها!!، فالسلطة توهم أو تحاول أن توهم الشعب والقوى السياسية الأخرى والعالم العربي والدولي أنها تعمل وفق القوانين التي تفصلها كيفما شاءت، والبعض يوهم نفسه بوجود قانون أو قوانين، ويستمرئ الكل اللعب على ورقة الوهم هذه مع أن الجميع يدرك حقيقة الأمر ويعلم تمام العمل أنه لا يوجد أي قانون في هذه البلاد سوى القانون غير المكتوب، الذي يشرع للفوضى والنهب والسلب والاستغلال والابتزاز والاستهانة بالإنسان وحقوقه وبكل الأعراق والنظم التي تحكم بلدان العالم.. لذلك لا عجب أن يستمر العرض الوهمي لدولة النظام والقانون لدى هؤلاء الواهمين.
ALhaimdi@gmail.com
محمد الحيمدي
دبوسان..... 1756