وأخيرا سقط طاغية مصر وفرعون هذا الزمان وعمت الفرحة أرجاء الوطن العربي كله من المحيط إلى الخليج وصنعت إرادة وعزيمة وإصرار ثورة شباب الـ"25" من يناير المعجزة في زمن علاقاته بالمعجزات
أصبحت من الماضي البعيد جداً فتنفس شعب مصر كله الصعداء بعد إن تمكن هو الآخر من تمزيق نسخة نظامه المستبد ليلحق بنظيره التونسي إلى ساحات الحرية وفضاءات المستقبل المنشود الذي تتطلع إليه شعوب الأمة العربية
كلها على طريق التخلص من الطغاة وأعوانهم واحداً تلو الآخر.
- إخفاء النص المقتبس -
لم يستغرق خطاب تنحية مبارك عن السلطة من الوقت سوى "30" ثانية ولكنها كانت في نظر الشعب المصري كله كافية بأن تزيح من على كاهلهم والى الأبد كابوس "30" عاماً مثقلا بأحلام اليقظة المزعجة أقلقت
سكينة حياتهم وروعت أمنهم وأمانهم وأفسدت عليهم آمالهم وتطلعاتهم وصادرت منهم حتى آدميتهم وجعلت شعب أم الدنيا يعيش في دنيا أخرى لا تمت إليه بصلة على كافة المستويات.
"18" يوما فقط من الصمود الذي لا يقهر تحلى به الشعب المصري في كل الساحات العامة والشوارع الرئيسة كشفت معها الأحداث وبشكل مذل ومبتذل عن حقيقة أصل نظام الطاغية وفصله وعناوين فساده وإفساده
وظلمه وظلامه التي أرهب به شعبه فتحمل مضطراً وجوده جاثماً على صدره كل تلك الفترة من السنوات، مانعاً عنه الماء والهواء وحياة العيش الكريم ولو في حدها الأدنى ثم رأينا كيف انهارت أركان نظامه الهش القائم أصلا على
قاعدة بطولات وعناد البلطجة التي تختبئ وراء عضلات أدوات القمع والبطش والتعذيب الوحشي ,وكرامة التشبث بالسلطة التي تفقد الإنسان كرامته ويصبح ذليلاً مهاناً تطارده لعنات الناس جميعا بقية أيام حياته أينما حل ورحل.
من هروب "بن علي" إلى تنحي "مبارك" إلى مفردات أخرى والمعنى واحد سنتعود سماعها من الآن ولاحقا في خطابات الرمق الأخير ستفرضها ثورة الغضب الشعبية للأمة العربية ,على من تبقى من ديكتاتوريات
الأنظمة المماثلة حتى تتخلص الأمة كلها من شرورهم وعبثهم وتتنفس أجواء الحرية التي تتطلب في المقام الأول الإرادة والتضحية والإصرار كي تلحق بشعبي تونس ومصر .
إنها ثورة أمة وإرادة شعوب ضاقت ذرعاً من طغيان حكامهم وجبروتهم.. واهم من يظن أنه في مأمن منها.. فالقاصي والداني يعلم أن مسبباتها قائمة ومؤشرات انتقالها إلى بلد آخر ليست خافية على أحد ولن يستطيع كائن
من كان أن يقف في وجهها بمعنى أنها ستظل ماضية في إنجاز وظيفتها وتؤدي مهامها حتى تحقق كامل أهدافها.
لقد كان أمامهم الكثير من الوقت كي يعيدوا ترتيب أوراقهم ويصلحوا ما أفسدوه لو استثمروا مرحلة واحدة فقط من مراحل المنعطفات الكثيرة التي مرت بها أوطانهم ,لكن مجرد حتى التفكير في أمر كهذا كان من المستحيل أن
يخطر على بال هؤلاء الطغاة بعد أن أخذتهم السلطة بالإثم وأنستهم أنفسهم.. فكيف لهم أن يذكروا شعوبهم فتمادوا في غيهم وشرورهم وانغمسوا حتى أذانهم في وحل الاستئثار بكل شيء وتركوا شعوبهم عراة حفاة يتضورون
من الجوع ويعانون الفقر والجهل والمرض.
سنة بعد أخرى ثم سنوات عديدة تمر وأنظمة القمع البوليسية في الوطن العربي المغلوب على أمره لا شيء يشغلها سوى حب الزعامة والفخامة وتحويل البلاد إلى إقطاعية خاصة بهم ونهب مواردها وثرواتها واستثمارها في بنوك
خارجية لحساباتهم الخاصة ورعاية مصالحها والحاشية حتى وإن مر كل ذلك من بوابة الإطاحة بالقيم النبيلة والمبادئ الأصيلة وأحلام الأمة وطموحاتها وسيادة ألأوطان وضياع الشعوب ومستقبلها.. فهذه في نظرهم أمور
أصبحت من الماضي، قد تجاوزها تيار الحداثة والعولمة ولا تنسجم مع روح العصر الذي تربطهم به دائرة اتصال واحدة فقط لا غير تتعلق بآخر ما ينتجه من أدوات القمع والبطش والتعذيب النفسي والجسدي ووسائل الملاحقة
والدمار والموت .
لن تجدي أبداً كل محاولات الأنظمة العربية الديكتاتورية الهادفة إلى إجهاض ثورة الغضب الشعبية مهما تعددت الرهانات وألوان القميص الذي ترتديه وتكالبت عليها السيناريوهات من كل حدب وصوب وبمسميات مختلفة ,
وتضاعف حجم التآمر والتحايل فإن الفشل في نهاية المطاف بانتظارها ,حتى وإن كان مصدرها قادماً من وراء الحدود مثلما سقطت وفشلت ثقافة تنازلات الوقت الضائع التي تقدم حلولاً لمراحل قد عفى عليها الزمن وتجاوزتها
الأحداث فالثورة حين تكون نابعة من إرادة الشعوب هيهات أن تقهر.
صمد الشعبان التونسي والمصري صمود رجل واحد فوقف إلى جانبهما جيشاهما الوطنيان.. فهنيئا لهما النصر والحرية.
صلاح محمد العمودي
مبارك ...ثانيا 2030