إن من لا يقف مع الأحداث وقفة اعتبار ودروس، فقد حكم على نفسه بالغباء، وعلى شعبه بالعناء، لهذا لا بد أن يكون لنا وقفات كثيرة مع ثورة مصر العظيمة.. هذه الثورة التي ستغير الواقع السياسي في عالمنا العربي، واليوم نقف مع داء العُجب والذي لا ينتبه إليه المعجبون بأنفسهم، وهو من الآفات الخطيرة التي تصيب كثيراً من الناس وهم لا يشعرون، فتصرفهم عن شكر الخالق إلى شكر أنفسهم، وعن الثناء على الله بما يستحق إلى الثناء على أنفسهم بما لا يستحقون، وعن التواضع للخالق والانكسار بين يديه إلى التكبر والغرور بالأعمال، وعن احترام الناس ومعرفة منازلهم إلى احتقارهم وجحد حقوقهم، وضرب الله لنا مثلا لتلك الصورة البائسة.. ففي غزوة حنين قال رجال وفي صفهم خير البشر صلى الله عليه وسلم " لا غالب لكم "- مُعجبين بكثرتهم - فأدبهم الله عز وجل وسطر هذا التأديب في كتابه الكريم إلى يوم القيامة، حيث قال "وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ" وقال عز وجل عن اليهود لما أعجبوا بحصونهم {وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}.
إذن فالعُجب لا يُغني المُعجب شيئا، وهذا ما يصيب طواغيت العرب، فيقودهم إلى الاستخفاف بقوة الله، وبشعوبهم، مغترين بحصونهم، وجيوشهم، وسلطتهم، فعلها قوم عادٍ فقالوا {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} ثم تلتها أمثال وأمثال، وفعلها "شاوشسكوا"، وشاه ايران، وآخرهم بن علي، وحسني مبارك، وغيرهم كُثر.
وأذكر آخر كلمات السخرية والاستخفاف المنبثقة من هذا الداء العضال، ما قاله الرئيس مبارك، يوم 2011/1/21م أي قبل اندلاع الثورة المصرية بثلاثة أيام، حين وقف أمام مجلسي الشورى والشعب الذين انتخبا بالتزوير الممل، ( أو كما قال أحدهم تزوير تخلله بعض الانتخابات) وهو يعلق على البرلمان الموازي الذي أسسته المعارضة المصرية قال: بكل سخرية ”خليهم يتسلوا"، كلمات تحمل في طياتها عنجهية وكبراً مفرطاً، إنه عجب الاستبداد والطغيان، فماذا كانت النتيجة؟ أن أذلهم الله بعد عزة، وسجنهم بعد حرية، وتحولوا إلى مُهانين يُشتمون، ولصوصاً يطاردون، (تخيلوا ثروة عائلة مبارك كما يقال تقدر بـ62 مليار$ وعصابته المقربة منه من الوزراء و المسؤولين حسب ما كشفته مصادر قضائية 65 مليار$ وديون مصر تقدر بـ 46 مليار $) فضاقت عليهم الأرض بما رحبت بعد أن كانوا في ربوعها يستضافون.. فسبحان القائل " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء"..
أنفقت الحكومة المصرية 11مليار $ فقط على الإعلام الرسمي لتجميل النظام، تجميل قائم على النفاق والكذب، هكذا ذكرت الصحف المصرية، وهذا ما هو معمول به في كل الأنظمة القائمة على الاستبداد، إضافة إلى ما شيدوه من حصون القوة والمنعة بأموال الشعب، والنهاية لم تغن عنهم من الله شيئا.
قالها حسني مبارك بعجب " خليهم يتسلوا" فهاهو الشعب المصري قد خرج بأكمله يتسلى بطريقته، لا كما يتسلى النظام بتعليق النساء في مسالخه القمعية ولا بامتهان الكرامة الإنسانية، وما يشاهده العالم اليوم من صور مقززة تعتبر للنظام مسلية، إلا شيء يسير جدا مما هو حاصل في سراديب الأنظمة المجرمة، والتي هي بالنسبة لها واحات تسلية، اليوم شعب مصر هو من ينظر إليه العالم الحر بإعجاب، شعب مصر جعل العالم بأسره يتسلى بشعاراتهم اللطيفة، ومواقفهم الرائعة، والتي قد تحول بعضها إلى نكت يتسلى بها الناس ويتناقلونها بينهم..
شعب مصر هو صاحب الكلمة والتوجيه، وهو الذي يرفع صوته، ورموز النظام هم من يتذلل اليوم بصوت خافت، ويقدمون التوسلات والتنازلات.. شعب مصر جعل العالم الحر وعلى رأسه العالم العربي والإسلامي يعيش فرحة عارمة ليتسلى بفرح شديد بسقوط طاغية كان مستعداً أن يضحي بالشعب ليبقى هو طاغية عليه، ولكنه ولى هاربا، عندما قذف الله الرعب في قلبه وقلب أجهزته القمعية، لتعم الفرحة كل مسلم وحر في المعمورة، فسبحان القائل "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين "
والسؤال الذي يطرح نفسه أين ملايين حزب الحاكم الذين كانوا ينتسبون إليه ؟ وأين 90 % من المواطنين الذين زعم هذا الحزب المُتحكم أنهم صوتوا له في آخر انتخابات؟ إنها أحزاب كرتونية، تمثل الطاغوتية الجماعية، القائمة على الترهيب والترغيب، وليست على المبادئ.. فاعتبروا يا أولي الألباب..
والى تسلية أخرى مع شعب آخر وسقوط طاغية ثالث إن شاء الله.
محمد الحزمي
عندما سقط الظالم .. أين ملايين حِزبِ الحاكم ؟ 2629