"محمد البوعزيزي" -خريج الجامعة، صاحب عربة الخضار في مدينة "سيدي أبو زيد" بتونس لم يكن يدري وهو يضرم النار في جسده المثقل بهموم البحث عن لقمة عيش شريفة له ولأسرته ولو في حدها الأدنى, لم يكن يدري أنه يضرم النار في عقدة الخوف التي تملكت القلوب ويوقظ مشاعر الأمة العربية كلها من المحيط إلى المحيط ويشعل فتيل لهيب حماسها.
رحل "البوعزيزي" وخلف وراءه عصراً جديداً من الثورات يختلف تماماً عن ما مضى بكل المقاييس تقوده الشعوب وليس فصيلاً مسيساً أو مؤدلجاً أو حركة انقلاب عسكرية, شعاره ((الشعب يريد إسقاط النظام)).. انطلاقته كانت من تونس ولكن أصداءه تجاوزت حدودها ووصل الآن إلى مصر ويبدو أنه في طريقه للانتقال إلى بلد آخر ولن يتوقف حتى يدك عروش الظلم والطغيان ويخلص الشعوب المضطهدة والمغلوبة على أمرها من أنظمة عاثت في الأرض فساداً طيلة فترة حكمها.. نهبت كل شيء واستأثرت بكل شيء وخلفت لشعوبها الفقر والجوع والمرض وأذاقتها الأمرين وكل صنوف العذابات الأخرى التي لا تعد ولا تحصى.
شعب تونس في هبته الشعبية العارمة ظل يردد هذا الشعار, (الشعب يريد إسقاط النظام ) لمدة "23" يوماً، حتى حقق ما أراد بعزيمة وإصرار وصمود ظل يتزايد رسوخاً في النفوس يوماً إثر يوم دون ذرة من تراجع أو تنازل عن الترجمة الفعلية لكلمات هذا الشعار على أرض الواقع حتى فر على إثرها بجلده طاغية نظامهم الديكتاتوري "أول الهاربين بن علي" وحاشيته.
سيناريو ما حدث لـ"بن علي" تابعه العالم كله وعلى رأسهم نظراؤه في الأنظمة العربية المماثلة الذين مما لاشك فيه أنهم يعيشون أحلى لحظات خداع النفس حتى يستدرجون من حيث لا يدرون, يا سبحان الله الذي يمهل ولا يهمل, مقابل خداعهم لشعوبهم طيلة فترة حكمهم أو عن طريق الترغيب والترهيب ولهذا رأيناهم جميعاً يبادرون في إيصال رسالة واحدة موحدة متشابهة باستثناء توقيعها يحذرون فيها شعوبهم من أنهم ليسوا "بن علي" وأن بلدانهم ليست تونس, لم يجف حبر توقيع كبيرهم حتى انفجر غضب شعبه في مصر -أم الدنيا- وشاهدنا كيف هو غضبهم في جمعتي الغضب والرحيل.. ومنذ أكثر من "10" أيام وحتى الآن وهم يكتسحون الساحات العامة وغيرها في كل مدن جمهورية مصر العربية وحناجرهم تردد شعار ثورة عصرهم الراهن بصوت رجل واحد وعلى قلب رجل واحد (الشعب يريد إسقاط النظام).
شعوب المنطقة العربية كلها تغلي في أعقاب سيناريو تونس لكن أكثر المتفائلين بعصر ثورة الغضب الشعبي لم يضع في أجندة حساباته أن مصر ستكون ثانيا بعد تونس لاعتبارات عدة، لعل أوضحها أن هناك ساحات عربية كانت أكثر غليانا منها على الأقل في الأيام القليلة الماضية لكن المفاجأة التي فجرها شعب مصر العظيم جاءت منسجمة تماما مع تمنيات الجميع وتطلعاتهم للأهمية الكبرى التي تحتلها جمهورية مصر العربية ومالها من دور وثقل عربيين كبيرين يحسب لهما العدو قبل الصديق ألف حساب .
الآن وقد خرج شعب مصر وبمئات الآلاف فإن سقف الرهان على سقوط بقية الأنظمة العربية المماثلة سيرتفع بشكل ملحوظ.. فليس أمام هذا الشعب إلا الصمود في وجه كل إجراءات القمع والتعسف التي ستحيط به من كل جانب وستتوالى عليه الآن بعد فوات أوانها تنازلات السلطة بين لحظة وأخرى بغية إفشال مشروع حلمه المنتظر.. ولهذا فهو مدعو الآن أكثر من أي وقت مضى أن يظل في ثباته راسخا لا يتزحزح قيد أنمله عن شعار ثورة غاضبة ((الشعب يريد إسقاط النظام)) حتى يلحق بالشعب التونسي الحر.
amodisalah@yahoo.com
صلاح محمد العمودي
من تونس إلى مصر وشعارهم "الشعب يريد إسقاط النظام" 1866