;
نور الدين اليامي
نور الدين اليامي

الثورة الراشدة 2865

2011-01-26 02:58:18


لم يكن ليعلم "محمد البوعزيزي" رحمه الله تعالى وغفر له أن إحراق جسده حتى الموت قد أحياء أمة بكاملها من المحيط إلى الخليج رزحت ردحاً من الزمن تحت وطأة الظلم والاستبداد والطغيان نهبت ثرواتها وبددت أموالها وسحق مفكروها ومبدعوها وحطمت أركانها حتى وصلت تلك الزعامات المريضة إلى درجة الاستخفاف بعقول شعوبها، فكرم الفاشلون وحولوا الهزائم إلى انتصارات والفشل إلى نجاح وصنعت تلك الأنظمة الفاسدة سيولاً من المنافقين والمتزلفين ليحصروا ما بقى من فتات الحاكم وأسرته وزبانيته ووصل الحد في بعض الجمهوريات العربية إلى ملكيات مطلقة تحت لافتة النظام الجمهوري فاستولت على مقدرات الدولة والأمة معاً.. ووضعوا من أنفسهم أصناماً تحكم بأمر الله.. فقتلوا في الأمة روح النهضة والبناء وأفسدوا الحياة وأسروا الأوطان وحولوها إلى ركام وجعلوا سكانها كخشب مسندة.
ولم يكن الحكام ليعلموا أن الجمر يغلي تحت الرماد.. فما إن تهب الرياح حتى تشعل النيران، فتحرق أسطورة القبضة البوليسية والحديدية -وللأسف الشديد فإن حكامنا لا يتعظون من التاريخ ولا يتعلمون الدروس.. فما حصل بنهاية القرن العشرين ليس بعيداً عن مسامعهم.. فلقد أتت الثورة الإسلامية الظافرة في إيران واقتلعت "شاه شاه ملك الملوك" ورمته إلى أصقاع المعمورة فلم يجد له مكان حتى لدفن جثته.. والتي قدر الله على "السادات" وهو في أوج قوته وغروره وآخذ من حيث لا يحتسب.. وسقط الراحل "صدام حسين" رحمه الله وكان يقبض بكل مخالب السلطة وكان يملك الحزب الأوحد والجيش الأقوى والثروة الأكبر.
 وها هو "بن علي" الذي طغى وتجبر وزج بآلاف التونسيين في السجون والمعتقلات ووضع المشانق وشرد الآلاف من التونسيين خارج وطنهم، لكي يحكم دون منغصات وعرض نفسه للغرب كحامي للعلمانية.
كما قام بكل شيء الملايين لكي يعطوا وجه الرضا.. فما إن قلعته رياح التغيير حتى تخلوا عنه جميعهم وتنكروا لصداقته وخدماته وكادت طائرته أن تسقط وهو تائه في الفضاء لا يدري أين يذهب.. فلم يقبله أحد مثله مثل الأجذم والأبرص لا يقبله أحد ويفر منه الجميع.
وتستحق هذه الثورة الظافرة الراشدة الواعية في تونس الخضراء أن تدخل التاريخ العربي وتفاجئه، كما فاجئت نظام حكم "بن علي" والأنظمة العربية الإقطاعية الأسرية.. فحقاً لأحفاد عقبة بن نافع أن يفخروا.. وواجب على الأمة أن تنهض من سباتها الطويل وتلفظ تلك الأنظمة العتيقة وتصنع لأمتنا العربية تاريخاً جديداً يوحد الصفوف ويعيد الاعتبار لتاريخنا المجيد ونصنع الحرية لأجيالنا القادمة.
 فها هم أحفاد العثمانيين يعيدون تاريخ أجدادهم في تركيا من جديد بعد أن طُمس "بضم الطاء" تاريخهم الناصع ردحاً من الزمن على يد العلمانيين الأتراك وبمساعدة أوروبا وإسرائيل.. ليبقوا الأتراك متسولون على أبواب البنك الدولي وقد حول حزب العدالة والتنمية تركيا خلال "8" سنوات فقط من الثرى إلى الثريا وأثبتوا أن الأيادي النظيفة إذا ما تمكنت من الحكم تحافظ عل ثروات الأمة وتقفل أنابيب الفساد.. وتستطيع أن تصنع المعجزات والمنجزات الحقيقية بالأرقام وقد استطاعوا خلال فترة وجيزة أن يسددوا كل ديون تركيا واستطاعوا أن يملئوا خزينة الدولة بعشرات المليارات من الدولارات ونهضوا بالعملة التركية إلى مصاف العملات الصعبة وأصبحت أرقاماً صعبة بعد أن كانت ملاليم لا تذكر وفتحوا خزائن الخير في تركيا لكل أبناء الأناضول الكرام.
وها هو الإتلاف الإسلامي في ماليزيا يحقق أسرع نمو اقتصادي في العالم بأسره ودخلت ماليزيا المسلمة حلبة النمور الأسيوية وتسعى لتصبح في العام 2020م في القمة تعانق غيمات السماء وأرست نظاماً ديمقراطياً حقيقياً مستقراً ليتفرغ أبناء الشعب الماليزي للعمل والبناء.
وتبقى أمتنا العربية وحدها تعيسة نائمة يكسوها الخمول ويتملكها الجهل والمرض، تنهشها الطير من كل جناح سلط الله عليها الغربان لا تفقه من الحياة شيئاً إلا دفن جثث الأحياء.. كما علم الغراب قابيل دفن أخيه هابيل ميتاً.
فلقد سئمنا من حكامنا أقاويلهم وأكاذيبهم.. سئمنا الزيف والاستبداد.. سئمنا منجزاتهم الديكورية.. سئمت عيوننا النظر إلى حاكم واحد حتى ترتجف قدميه لا يستطيع الحراك.. ولم ينقذنا منه إلا هادم اللذات ومفرق الجماعات.
سئمنا الزعيم الأوحد والحزب الواحد.. سئمنا الرجل الدائم والخرافات المستمرة.. فلقد حول الحكام العرب شعوبهم إلى متسولين، حولوا الناس إلى باحثين عن مخلفات عيشهم في مقالب القمامات.. وهم يوزعون مناصب الدولة وقيادات الجيش والأمن بين الأهل والأحباب والأقارب والأنساب.. حولوا الدولة إلى شركة خاصة ولم يتعظوا بعد "الآن فهمتكم، لا حكم مدى الحياة.. لن أترشح مرة أخرى" ولقد قالها فرعون من قبل "آمنت بما آمنت به بنو إسرائيل".. قالها وهو يغرق في اليم وقالها "بن علي" وهو على وشك الرحيل.. فلماذا ينتظر الحكام حتى الغرق.
وهنا يأتي سؤال كبير ينبغي أن يعيه الجميع: لماذا لا يُصلح الحكام حالهم مع شعوبهم ويحافظوا على أوطانهم من التمزق؟ وما العيب في أن يقال الرئيس السابق والوزير السابق والقائد السابق ويعيش في كنف أهله وناسه في أرضه ويحافظ على أبنائه وأسرته وأصحابه.. ويعيش الجميع في أوطانهم بأمن وسلام ويستطيع أبناؤهم وأصدقائهم أن يصعدوا إلى سدة الحكم مرة أخرى.. وفق المعايير الديمقراطية الصحيحة ويحافظوا على ممتلكاتهم ويحافظوا على خيرات الأمة.. والجزاء من جنس العمل.
وسؤال آخر يوجه للشعوب وقادة الرأي والفكر: لماذا السكوت على الظلم؟ لماذا تساعدوا الظلمة والطغاة على الاستمرار في سدة الحكم؟.. فالساكت عن الحق شيطان أخرس.. ومن يساعد الظالم على ظلمه، فهو مثله وسيحاسب يوم القيامة أكثر من الظالم نفسه.. مثلهم مثل آل فرعون قال تعالى" أدخلوا آل فرعون أشد العذاب".
لقد آن الأوان للأمة أن تنهض من سباتها وأن لا تركن إلى الذل والخوف وقد فاجئنا الإعلام العربي الرسمي باجتماع للعجزة في دار المسنين في "شرم الشيخ" ليتدارسوا الجانب الاقتصادي، وهل يصدق عاقل أن هؤلاء الذين يحكمون منذ "40" عاماً يمكن أن يعملوا شيئاً في الاقتصاد وهم سبب النكبات والعثرات.. بل إن الراجح أنهم ذهبوا لجلسة عزاء ومواساة لفقدان أحدهم وجلسوا لتدارس كيفية إجهاض تلك الثورة الظافرة في أرض القيروان، التي هزت عروشهم المتصدعة وليحاولوا الإلتفاف على حلم الجماهير العربية بالتغيير.
وما أظن إلا أن الثورة التونسية المباركة أكثر وعياً وإدراكاً لما يناط بها.. فلم تهن وتستكين حتى تقتلع الشجرة الخبيثة وترميها خارجاً لتزرع شجرة الزيتون الخالدة.
فهنيئاً لشعب تونس ثورته المباركة الراشدة المرشدة لجيل الغد المشرق طريق العزة والكرامة وادعوا معي بالرحمة والغفران لحادي ركب الثورة ونورها الساطع "محمد البوعزيزي" -رحمه الله.
محطة يمانية:
وفي اليمن الحبيب نسمع ونرى عن بطولات منقطعة النظير لأبطال القوات المسلمة والأمن البواسل.. فقد هاجموا منزل الصحفي المدني المسالم "شايع" بالسيارات المصحفة وإطلاق النار الكثيف واقتحام منزله وأرعبوا الأطفال والنساء وكان بإمكانهم أن يأتوا بشايع بمجرد اتصال هاتفي.. وكفى الله المؤمنين القتال.. وكما سمعنا عن الهجوم الكاسح على منزل الطالبة الجامعية التي ورد اسمها في قضية الطرود وما سبق من اختطاف للصحفي/ محمد المقالح وأخيراً تمكنت قوات الأمن البطلة من اعتقال الصحفية/ توكل كرمان "ياللظفر" بينما القتلة والمجرمون يعيثون في الأرض فساداً.. فهاهي صعدة تسقط تماماً بيد إخواننا الشيعة بعد سقوط آلاف القتلى والجرحى وها هو "طمع" وغيره ممن يقتلون النفس التي حرم الله ويقطعون السبيل يسرحون ويمرحون بأمن وسلام.. فأين القوات الخاصة وأين قوات مكافحة الإرهاب التي نشاهد عروضها على شاشات التلفاز.. هل يدسون رؤوسهم بالتراب؟ "أسد عليّ.. وفي الحروب نعامة" هذا ما لا نرجوه.. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد