محمود علي عبدالله الصبري- هذا الاسم هو عنوان لمعاناة تبعث على الحزن والألم.. تجاوز عمره الـ"40" عاماً، كان يعمل في البحث الجنائي في محافظة تعز قبل 1996م وقبل أن يتم فصله وتنزيل اسمه من كشوفات وزارة الداخلية وتجنيد بديلاً عنه رغم ممارسته للعمل.. ففي نهاية عام 96م تم فصله من عمله وكان قبل شهرين من نهاية ذاك العام يتم خصم جزء م مرتبه لم يكن أمامه إلا الحضور إلى مكاتب وزارة الداخلية لمعرفة سبب الخصم والقطعية لجزء من مرتبة لمدة شهرين، ليتفاجأ بقرار تنزيله من كشف الفرار وأنه قد تم تجنيد بديلاً عنه.
اطلعت على بعض أوراق وصور من مراجعاته والتي عرفت من خلالها أن معاناته بدأت من شهر 12/1996م وإلى اليوم وحتى اللحظة لم يجد من ينصفه ويعيد له مرتبه واسمه المنزل والمفقود من كشوف وسجلات القوى العاملة في وزارة الداخلية.. دون معرفة الأسباب لذلك، كان ملفه يضم الكثير من المذكرات المقدمة والموجهة من مكتب رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية وتوصيات من بعض أعضاء مجلس النواب وغيرهم.
أكاد حتى اللحظة لا أصدق أن يحدث مثل هذا وأن يتم فصل موظف وتنزيل اسمه وقطع مرتبه وتوظيف بديلاً عنه ويحدث كل هذا وهو يمارس عمله ووظيفته.. وأستغرب كيف لم يجد الإنصاف من كل أولئك الذين منحوه توجيهات وأوامر وتوصيات لم تكن في حقيقة الواقع إلا حبراً على ورق.
"16" عاماً حتى الآن هو عمر معاناته والتي من المؤكد إنها ستصل إلى أكثر من ذلك.. فلماذا لم تتابع تلك الجهات العليا والتوجيهات مذكراتها إلى المعنيين بحل مشكلته؟ ولماذا لم تتابع أوامرها وتوجيهاتها لتعرف إلى أين وصلت؟ وهل تم تنفيذها أم أنها وصلت في نهاية الأمر إلى سلة المهملات؟، بل ربما ليس في نهاية الأمر، بل في بدايته.
إذا كان دور تلك الجهات المعنية والمسؤولة هو مجرد إصدار أوامر فقط حتى لو لم تجد طريقها إلى التنفيذ.. فاعتقد أن من الأفضل إغلاق تلك الجهات، وتوفير المعاناة والجهد والتعب والخسائر على من ساقتهم المشيئة الآلهية إليها بعد تفاؤلهم خيراً عند حصولهم على مثل تلك التوجيهات رغم أن الحصول عليها لا يتم إلا بعد معاناة طويلة قد تمتد لشهور وأحياناً لسنوات وفي معظم الأحيان لا يتم ذلك ولا ينجحون في الحصول على شيء.. ليجدوا في النهاية أنهم ضيعوا سنوات من أعمارهم في لاشيء وبحثاً عن سراب.
جهات رسمية ومؤسسات تكتظ بعشرات الموظفين وأحياناً بالمئات منهم، وتلك الجهات ومذكراتها وتوجيهاتها ليس لها أي داع وليس منها أي فائدة، لماذا لم يتم إغلاق مثل تلك الجهات والتي لم تكن إلا عبئاً ثقيلاً على خزينة الدولة بما يتم رصده لها من ميزانيات ضخمة تثقل كاهل الدولة والوطن الذي هو في أشد حاجته إلى الريال الواحد وهي عديمة الجدوى والفائدة.
إن "محمود الصبري" هو عنوان لمعاناة ليس هو الوحيد من يعانيها، فما أكثر أمثاله وما أكثر الصور المشابهة مع اختلاف بسيط في بعض تفاصيل المعاناة، معاناة شريحة كبيرة من أفراد هذا المجتمع لم تجد مسؤولاً يسمعها ويشعر بها ويؤدي دورة وواجبه ومسؤوليته لحلها.
فيارئيس الجمهورية ويا رئيس مجلس القضاء الأعلى ويا رئيس مجلس النواب ويا رئيس الوزراء ويا وزراء الحكومة ويا محافظي المحافظات ويا كل مسؤول في الدولة.. حاولوا أن تسمعوا وتشعروا بمعاناة الناس.. حاولوا أن تحلوا لهم مشاكلهم.. حاولوا أن تؤدوا دوركم وواجبكم ومسؤولياتكم بكل أمانة.. حاولوا أن تسمعوا تلك المناشدات والنداءات والصرخات التي يوجهها الناس إليكم، عبر أي وسيلة تمكنهم من الوصول إليكم والتعبير من خلالها.. حاولوا أن تنظروا وتعرفوا ما الذي يحدث للناس من معاناة، وما هي المشاكل التي يواجهونها.. حاولوا أن تفتحوا تلك الأسوار والأبواب الموصدة قليلاً لتعرفوا حقيقة ما يجري، ولتعرفوا أنتم محاسبون ومسؤولون على تقصيركم معهم.
حاولوا أن تعرفوا إن كنتم لا تعرفون معاناتهم، حاولوا أن تسمعوا ما قلته لكم وما وجهته إليكم وفكروا فيه قليلاً لأنكم بحاجة إلى التفكير فيه، ستحتاجونه من أجل ذاك اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ولا داعي لتفسير كلامي ونصحي لكم وحرصي عليكم بأنه تحامل عليكم أو كره أو حقد على تقصيركم، لا والله.. إنما هي الأمانة التي من واجبنا إبلاغكم بها ومصارحتكم بها، لأن الله أمرنا بذلك ووصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصح والتناصح، وها أنا ذا قد قلت ونصحت وبلغت اللهم فأشهد.. اللهم فأشهد.
زايد منصور الجدري
أوجاع الناس.. التقصير وعدم الشعور بالمسؤولية 2145