1- نحو غد.. للجميع:
إن أكبر تحديات الديمقراطية في البلدان النامية -أنها تشق طريقها في بُنية اجتماعية واقتصادية ضعيفة النضج والتكوين.. الأمر الذي يضيف أعباءً في العمق على مشروع النهوض الديمقراطي المنشود.
الديمقراطية كما صار معروفاً في الأدبيات السياسية هي دولة المؤسسات، وأي طرح لها خارج ذلك يجعلها –أي الديمقراطية- مجرد "واجهة" أو قشرة لا تحمل من الكلمة إلا حروفها فقط.
الديمقراطية مؤسسات حقاً، إنها منظمات واتحادات وجمعيات وصحف وجامعات ذات طابع حر، وتكوين أصيل ينبع من التمثيل الحقيقي لشرائح المجتمع وقواه الفاعلة.
وطموحنا في اليمن إلى بناء صرح الديمقراطية ليس وهماً، ولا لعباً على حبال المزاج الدولي الآن.. فهي مدخلنا جميعاً إلى التعايش والتنافس السلمي، ومن ثم، الخلاص من سراديب التآمر والاحتراب والتصفيات والوحدة اليمنية بنت مشروعها على الأفق الديمقراطي، مع علمنا بأن هذا الأفق عانى وسيعاني كثيراً حتى يضع حلمنا الديمقراطي في مداره الصحيح.
إن مؤسساتنا ومنظماتنا واتحاداتنا على ضعف تكوينها، هي الرافعة الواقعية لهذا الحلم، فيها تتعزز وتحمى وتتطور.. إن محاولة حشر التكوينات النقابية والخيرية والعلمية وما شابهها في نفق السلطة وألاعيبها، والحزبية وتكتيكاتها الآنية، تؤدي بالتجربة الديمقراطية إلى هاوية بلا قرار.
إن استقلالية هذه الفعاليات وعملها الشعبي المفتوح يجعلانها خيمة وطنية تتجلى فيها بذور المستقبل الذي يرى الوطن ومستقبله، ولا ترتهن للعبة السلطة والحزبية، وإذا نجح اليمن في أن يرسي مثل هذه الروح فإنه بذلك يكون قد خطى فعلاً نحو غد للجميع.
2- إرادة الشعوب:
هذا العالم لا يصغي كثيراً لأصوات الشعوب، ولكنه في الأخير يخضع لإرادتها.. أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين أخذت النازية تجتاح بلدان أوروبا وتنشر هيمنتها العسكرية على شعوب القارة الأوروبية دون أن تأخذ في الإعتبار حقوقها في الحرية والاستقلال ولم تلق بالاً لها ولم يصغ العالم أو دوله الكبرى لصرخات واستغاثات الشعوب الأوروبية إلا بعد أن بدأت النازية تهدد كل دول وشعوب العالم.
واليوم تتعالى من أرض العراق صرخات القتلى والمعذبين من ضحايا النازية المعصرنة للولايات المتحدة الأميركية، التي احتلت العراق بغطاء دولي ولم تلق بالاً أو تنظر إلى وجود دول عظمى في العالم.. ورمت بعيداً بكل المواثيق والمعاهدات الدولية وأقدمت على سابقة هي الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بعد "فيتنام" التي غزتها وخرجت منها بهزيمة نكراء.
العالم المتحضر لم يكن يصغي كثيراً لألام وصرخات الفلاحين الذين كانت تحصدهم آلة الدمار العسكرية الأميركية، ولكن أميركا نفسها أجبرت على الرحيل من فيتنام بقوة وإرادة الشعب الفيتنامي وشعوب "لاوس وكمبوديا" وتركت أميركا هذه المنطقة وإلى غير رجعة.
ومرة أخرى غزت أميركا بلداً عربياً غنياً بالنفط وله وزن وثقل سياسي في المنطقة لتجعل منه قاعدة ارتكاز للسيطرة واستعمار بلدان الخليج الغنية بالنفط.. ومرة أخرى تجد في العراق جحيماً مشتعلاً، ومنذ احتلاله وجدت نفسها عاجزة وغير قادرة على السيطرة على الأوضاع فيه كما ذكرت بعض التقارير السياسية الأميركية نفسها.
العالم هذه الأيام لا يصغي لنداءات الاستغاثة وصرخات القتلى والجرحى والمعذبين في العراق، ولكنه في الأخير سيرضخ ويخضع لإرادة الشعب العراقي الذي سيطرد الغزاة إلى غير رجعة.
alhaimdi@Gmail.com
محمد الحيمدي
دبوسان..... 1582