تونس ,أول بلد عربي تجاوز نفقه المظلم ,واستطاع بفضل هبته الشعبية التي اكتسحت كل شوارعها , ولن تغادرها حتى تحقق كامل أهدافها غير منقوصة عهداً لدماء شهدائها وتضحياتهم ,فاستطاع أهلها الطيبون وشبابها المناضلون الأوفياء أخيراً أن يستنشقوا هواء حريتهم وانعتاقهم من ظلم الطغاة وجبروتهم.
شعب تونس البطل, هو الوحيد حتى الآن الذي تمكن من التخلص من قبضة خانقه بفضل إرادته وتضحياته بعد مشيئة خالقه سبحانه وتعالى, حينما صب جام غضبه على نسخة نظامه الاستبدادي ومزقها إرباً إربا ورمى بها حيث موقعها الطبيعي مزبلة التاريخ المكان المنتظر فأصبح لديه الحق من أن يكون الشعب العربي الوحيد الذي لن يختلف معه أحد إن قال إنه ينعم بعهد جديد سيقوده إلى الحرية والأمن والأمان بعد سنوات عجاف من الآلام والمعاناة والتنكيل وانتهاك الحريات والحقوق والقمع الوحشي الذي مازال يمارس على إخوانهم في أنظمة النسخ العربية الاستبدادية الأخرى.
 كل الظروف والمعطيات على أرض تونس التي خطت أولى خطواتها نحو استعادة اخضرارها أصبحت الآن مواتية ومطوعة لكل أطياف العمل السياسي والنقابي والمدني وغيرها من الفعاليات الأخرى أن تبدي صدق وطنيتها وتضع يدها بيد الشعب لترتيب شؤون البيت التونسي من الداخل وعلى طراز يتسع للجميع وأن يدركوا أن زمن اللعب بقدمين هزيلتي الهوية والانتماء قد ولى ولم يعد أمامها إلا أن تلعب بقدم المواطنة التونسية الحقة التي فيها من الدلالة الوطنية والإرادة مايجعل تحركات خطواتها ثابتة وراسخة وواضحة المعالم لاتحيد أبداً عن آمال وتطلعات الجماهير التي هبت في ثورة شعبية عارمة لتسقط نظام الديكتاتور "بن علي" من عليائه وتؤسس لمرحلة جديدة تجسد أحلام تونس وجميع أبنائها.
كل المحاولات التي بذلت ومازالت تبذل إلى الآن في اتجاه الإصرار على البقاء في السلطة لإدارة اللعبة السياسية على الأقل كما يحلو لها القول تولي مسؤوليات المرحلة الانتقالية ,كل تلك المحاولات لن يكتب لها النجاح أبداً طالما وإنها تتم خارج إطار التغطية الشعبية الشاملة التي لاتعنيها مثل هذه الترتيبات لا من قريب ولا من بعيد ولسان حالها يقول "من كان يتبع الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.. فان بن علي قد سقط وانتهى أمره وعليه أن يلحقه ,ومن يتبع إرادة الشعوب فإن عليه أن يمتثل لها لأنها حية باقية بقاء الحياة على الأرض لا تقهر ولا تموت ,قد يقسو عليها الزمن في غفلة من أمرها أو عن طريق حسن نواياها ولكنها حين تعود تكون عودتها أقوى وأصلب والأكثر من ذلك أنها تصبح مدججة بسلاح المؤمن الذي لا يلدغ من الجحر مرتين".
لا ادري ما الذي يجعل ساسة العهد الماضي أن تغامر بآخر الفرص المتاحة لها كي يتذكر لها الشعب التونسي شيئاً يحترم ويقدر ,وتحفظ به ماء وجه تاريخها إن كانت تعتقد أن التاريخ قد كتب لها شيئاً من ذلك على صفحاته.. فانه ليس أمامها طريق آخر غير التقاط اللحظة التاريخية الراهنة واستغلال الأوضاع السائدة الآن قبل أن تسوء لا قدر الله وأن تعجل بمغادرتها سدة الحكم وتسلم السلطة إلى حكومة وحدة وطنية ممثلة فيها كل أطياف العمل السياسي لتتحمل المرحلة الانتقالية بكل تبعاتها ومهامها الوطنية على أن يتم تحديد أبرز عناوينها والتوقيت الزمني لإنجازها حتى تسلم السلطة في نهاية المطاف لمؤسسات شرعية منتخبة من الشعب.
كل ذلك يجب أن يتم بموافقة السلطة الوحيدة التي تحمل الصفة الشرعية في البلاد وهي سلطة الشعب التونسي التي أطاحت بنظام العهد البائد وتحت رعاية وحماية السند الوطني الذي سطر في هذه المرحلة بالذات اسمه بأحرف من نور على صفحات التاريخ الوطني الحديث وهو جيش تونس العظيم وقادته الذي كان في تلك اللحظات التاريخية العصبية من عمر تونس وحتى الآن عوناً وسنداً للجماهير في هبتها الشعبية العارمة، لم ينصاع لأوامر القمع بل ضرب بها عرض الحائط وانحاز إلى الشعب في مطالبه العادلة والمشروعة وسجل لشعب تونس إنجازا تحسدهم عليه بقية شعوب الأنظمة العربية المستنسخة والمضطهدة.
لاشك من أن أكف أبناء الأمة العربية كلها ستظل على قلوبهم وهي تراقب باهتمام بالغ تطورات الأحداث هناك على أرض تونس البطلة، التي أصبحت الآن بالنسبة لهم تمثل حلم أحلامهم الذي انتظروه طويلاً, حريتها من حريتهم وانتكاستها ستضاعف بلا شك من مآسيهم ومعاناتهم وعذاباتهم القادمة.. أملهم كبير في عزيمة وصمود شعب ثورة الياسمين التونسية بعد الله سبحانه وتعالى على طريق تمزيق كل نسخ الأنظمة العربية الاستبدادية الظالمة.