كيف بك وأنت تشاهد الشباب الطائش يتسابقون على المنابر ومحاريب المساجد ليؤموا الناس بالصلاة ويصعدون إلى المنابر لإلقاء خطبة الجمعة ويتصدرون الحلقات بالفتوى، فيفتون الناس بغير علم ويهرفون بما يعرفون وما لا يعرفون، يحللون ويحرمون وفق هواهم وكما تشتهي أنفسهم، يجادلون بغير علم ولا هدى ولا يستمعون لنصح الناصحين ولا يلتفتون لوعظ الواعظين من ذوي الفضل والصلاح.
في زمن سكت فيه العالم ونطق فيه الجاهل، فضلوا وأضلوا وأختلط الحابل بالنابل، أن رأوا حق كرهوه وأن رأوا باطل يتبعونه ويتزعم القوم فيه أراذلهم، فظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس.. فكيف بك إذا رأيت شحاً مطاعاً وهواً متبعاً وإعجاب كل ذي رأي بريه، فللمساجد حرمتها وللمحاريب والمنابر قدسيتها فلا يتصدرها إلا ذوي الصلاح والتقى والاحلام والنهي.. خاض معترك الحياة وغاص في أعماقها وعرف مسالك الخير فسلكها ومسالك الشر فاجتنبها.. تجاوز الأربعين من سنين عمره فقال ربي أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي فاغفر لي ولوالدي اكتمل عقله وبإن فضله في قوله وفعله وبهذا نحفظ للمساجد هيبتها نصولها وقدسيتها من طيشان الشباب وزيغهم وعجبهم بأنفسهم، تسابقهم المحموم على محاريب المساجد ومنابرها بدافع حب الظهور واثبات الذات والرجولة كما يتصوروا، لأن هذا النوع من الشباب يعانون من انفصام في الشخصية والشعور بالنقص والدونية ويحاولون بهذا إثبات شخصيهم وأنهم أفضل من الجميع مع أنهم بالغالب فاشلين في حياتهم العامة وهذا ما أثبته كثير من الدراسات وهذا هو العظال الذي تعاني منه مساجدنا اليوم بعد أن تسرب إلينا الكبر والريا والعجب حتى أصبح الطالب يدعي أنه أفضل من المعلم والجاهل يرى نفسه أفضل من العالم والناس تبعاً لذلك، لأن النفاق قد استحكم بهم وصار شغلهم الشاغل وديدنهم في الحياة، فيلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون.. إنه الوهن والتنافس على الدنيا الفانية وحب الظهور وضعف الوازع الديني وموت الضمير ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالدين غاية "لا وسيلة وقد خابوا وخسروا من اتخذوا دينهم لهوا ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا وغرهم بالله الغرور.
من أين يبدأ الإصلاح؟
محمد مسعد الحابشي
الدين غاية لا وسيلة 1880