هل يتعلم الحكام العرب والمسلمون الدرس الجلي من سقوط بن علي؟ أم يعتبرونه جملة اعتراضية لا تستحق التأمل.. صحيح أن النظام ما زال يتهاوى، لكن رأسه قد سقط والحمد لله، لقد سقط طاغية من طواغيت العرب، بهبة
شعبية عارمة قام بها شعب تونس، الذي أعلن يوم الجمعة الماضية تحرير نفسه من قيود كبلته عشرات السنين، كبله نظام قمعي بل هو أستاذ القمع العربي.
أليس هو من يستضيف كل مؤتمرات وزراء القمع العرب (الداخلية)، سقط برغم العصابات المسلحة التي أنشأها حوله وحول عائلته.. سقط برغم وقوف الصهيونية العالمية بجواره.. سقط برغم أنه الرجل الأميركي
الأول في أفريقيا، بل هي من عينته، وهذا دليل واضح أنه ليس كل ما يريده الغرب يكون.. فمن ركن إلى قوة غير قوة الله أذله الله.
والعجيب أن بقية الحكام صرحوا بعد سقوطه بأنهم يحترمون إرادة الشعب التونسي، والسؤال، لماذا لا يحترمون إرادة شعوبهم هم؟ بالتأكيد ما عدا "القذافي" الذي كان شجاعاً فأعلن تألمه لسقوط زميله في الديكتاتورية، هرب
بن علي، فضاقت عليه الكرة الأرضية بما رحبت، لأنه ضيق على شعبه، بالكبت والحرمان والترهيب، والسجون والتعذيب، هرب إلى أسياده فرفضوه، لأن مدة صلاحيته انتهت، مع أنه ظل يمثلهم بكل إخلاص على حساب شعب
بدينه، وثقافته، وأخلاقه، وتراثه.. هذا الحكم العلماني الذي سقط رأسه، هو سليل الاستعمار ، وهو الذي وعد شعب تونس أن يجعل تونس قطعة من أوربا بعيداً عن الإسلام الذي يعتبره رمز التخلف، (كبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ
أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً).
وفعلاً عزل شعب تونس عن دينه إجبارياً، وصارت تونس قطعة من أوروبا، حتى اللغة العربية تنطق بصعوبة، وكانت الحرية المعلنة لهذا النظام هي التحرر من الإسلام، من العفة، من القيم، من الأخلاق، وتمثل ذلك بسن قوانين
مماثلة للغرب حتى قوانين الأحوال الشخصية، التي لم يجرؤ أحد في بقية الأنظمة القمعية أن يقترب منها، وبناء اقتصاد يقوم على ضحايا الدعارة، والفجور والخمور، تحت ما يسمى بالاستثمار السياحي، بإشراف أقربائه من أخوة
وأبنائهم ،وكذالك أصهاره.. فاتضح من خلال الانتفاضة الشعبية أن اقتصاد تونس هيكل من ورق برغم الكذب الذي مورس والتضليل الذي حدث من قبل الإعلام المنافق، بأن تونس تحتل المرتبة "29" في دول العالم
والأولى أفريقياً والرابعة عربياً.
إن اقتصاداً قائماً على الزنا والربا والخمور والفجور أنى له أن يكون ناجحاً؟ وزاد النظام التونسي على أوروبا، أنه منع حرية التدين، وحرية الكلمة، ومنع الحجاب حتى العرائس (العاب الأطفال) التي تظهر الحجاب شن
حملة عليها في سبتمبر من العام الماضي، إلى هذا الحد وصل الظلم؟ بل وأكثر، عندما صارت الصلاة في حكم القانون تهمة، إلا إذا كان مع المصلي رخصة للصلاة في المسجد، وصارت الدعارة مقننة ينظمها قانون تنظيم الدعارة،
وملاحقة للدعاة وهتك ومطاردة حرائرهم.
هذا هو السبب الذي سلط الله على رأس هذا النظام الذلة، على يد شريحة الفقراء.. هزوا عرشه فوقف يخطب خائفاً كالمذعور، مع أنه قبل يومين من هذا الخطاب وصف المتظاهرين بأنهم إرهابيون، وهدد وتوعد، ولكن
الغضب استمر ليخرج مرة ثالثة ويقول أنا فهمت.. نعم فهِمَ بعد ما خربت مالطا كما يقال، واشتعلت النار وسالت الدماء وتعالت صرخات الجرحى، وآهات المعتقلين، ودموع النساء والأيتام.. "23" سنة لم تكن كافية
ليفهم.
هل يحتاج الحكام هذه السنوات حتى يفهموا شعوبهم؟ لماذا لم يفهموا قبل صعودهم الكراسي؟ لماذا لم يتعظوا بغيرهم؟.. لماذا لم يقرءوا التاريخ؟ وهذا الفهم المتأخر في الوقت الضائع كما يقال لم يتعلمه الحكام من القرآن لأن
أغلبهم لا يعرفونه، وإلا فقد ضرب الله لنا مثلا في قصة فرعون حين قال :(يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ).
هذه قصة يقصها الله لنا للعبرة.. فمؤمن آل فرعون يعظ قومه ،وعلى رأسهم فرعون بأن الملك اليوم ظاهر لهم خاضع لقمعهم، وبطشهم ،ولكن النتيجة (فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا )، فرد فرعون بتبجح، رافضاً
لنصح الناصحين، وإنذار المنذرين قائلاً: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ).. إذن هو المعبود من دون الله، وفساده هو الرشاد، هذا منطق الطواغيت، ولم يفهم فرعون إلا في آخر لحظة، عند الغرق أعلن
إيمانه، ولكن دون فائدة، كان الوقت قد فات، فلم يقبل الله ذلك الإيمان.
"وبن علي" لم يقبل الشعب التونسي منه ذلك الفهم المتأخر ثم قال "بن علي" إن المسؤولين غالطوه.. عجباً كيف يُغالط الحاكم؟! ونحن نعرف أن أكبر المغالطين، هم الحكام، إلا ما رحم ربك، وإذا كان ما قاله
حقيقة، من الذي عين هؤلاء المغالطين؟ ومن قربهم؟ لقد كُسر حاجز الخوف عند الشعب التونسي.. فيكفي أن إحدى النساء قالت: لقد قتل "ابن لي" ولدي 4 آخرين، مستعدون للموت.
ومن الايجابيات، أن المتظاهرين، شنوا حملة على الأندية الليلية وأوكار الدعارة، ومن أهمها منتجعات الحمامات السياحية والتي تشكل أكبر وكر لتسويق الرذيلة ويعود ملكها لشقيق رئيس الدولة، وكذلك متاجر الخمور التي يعود
ملكيتها لأبن شقيقه.. نعم هناك أقرباء للرئيس لم يكتفوا بنهب الثروة، والاستيلاء على المناصب العليا، بل ذهبوا يتاجرون بأعراض الناس، وما يغضب رب الناس، وهذه تكاد تكون ظاهرة في أغلب البلدان العربية، وأتمنى أن يعي
الدرس كل الحكام في بلاد المسلمين، وكل تجار الرذيلة، أن الله إذا غضب عليهم سيسلط عليهم جنداً من عنده ولو كانوا فقراء.. وأن الشعوب لن تغفر لمن يقمعها ويتاجر بدينها وبحريتها وعفتها.
محمد الحزمي
الدرس الجلي ... من هُروب "بن علي"؟ 2947