سعاد محمد عبداللهقديماً قالوا: لن يصل أحد إلى الكمال ،لن يقترب حتى من الكمال إلا إذا كان عنده شيء يعطيه للآخرين... ما أحوجنا لتلك المقولة خاصة مع وجود مسئوولين يدعون الكمال وهم بعيدون عنه بعد كوكب
(نيتون) عن الأرض.. غريزة الأنانية أصيلة فيهم.. وحب المرء لنفسه إذا زاد عن حده يصير لعنة تصيب الكل.. فيصبح شعاره أنا ومن بعدي الطوفان.
ففي الوقت الذي نرى أن عدن بحاجة ملحة لمزيد من المشاريع الخدمية والتنموية.. وهذه الحاجة تفرضها متطلبات واقع عدن لما تشهده من اتساع في رقعة المباني وبشكل استثنائي نتيجة للإقبال الكثيف على الاستثمار والسكن
في عدن وبمعدل ربما لا تشهده أية مدينة أخرى... لكن المؤسف أنه وفي ظل حاجة عدن الماسة لمضاعفة الاعتمادات والموازنات الاستثمارية الحالية هناك من يبدد ما بين أيدينا من تلك الاعتمادات من خلال التعامل
اللامسؤول في تحديد أولويات احتياجات مناطق عدن وأحيائها ..حيث نجد الكثير من المشاريع في المديريات يتم تحديدها وفق أهواء ومصالح أشخاص في السلطات المحلية للمديريات، سنجد أن ما هو ثانوي قد أُقر على حساب
أولويات ملحة.
قد يقول البعض إن المشكلة تكمن في عدم أهلية المجالس في المديريات للمهمة التي أوكلت إليها فيما يتعلق بالاستقلالية المالية بما يختص بالموازنات الاستثمارية واستقلالية تصريفها ..لكن الحقيقة أن الأمر ليس كذلك ..فنحن
حين نتحدث عن أولويات المشاريع لا نتحدث عن مشاريع في (الطاقة النووية) ، نحن نتحدث عن مشاريع خدمية قد يعى أولوياتها حتى المواطن البسيط!! مع إدراكنا لأهمية وجود المختصين وذوي الكفاءات في قوام
المجالس المحلية، لكننا نتحدث عن وضع قائم وعن المجالس المحلية بما هي عليه اليوم.
إن العبث بالموازنات الاستثمارية للمديريات من خلال التعامل معها على ذلك النحو أفقد كل تلك الموازنات والاعتمادات أثرها لدى المواطن لأنها لا تلامس احتياجاته الملحة ..فلذلك رغم ما تم ويتم اعتماده من إمكانات مالية سنوياً
لم يخفف من حالة التذمر في الشارع.. فالزيادات التي تضاف لموازنات المديريات يقابلها زيادة واتساع في رقعة الاستياء.
وهذا يرجع للخلل القائم والناتج جراء الممارسات الخاطئة للمجالس المحلية في هذه المديريات أثناء تعاملها عند إقرار المشاريع... وهذا العبث الذي يتجاوز في أحيان كثيرة إلى ما لا يمكن أن يتصوره ويقبله عقل..
وهكذا لا تصبح هذه الممارسات الخاطئة قضايا فساد مالي وإداري وإهدار للمال العام فحسب.. بل تأخذ أبعاداً أخرى وتنتج عنها تبعات أخطر.. حيث نجد أن حالة الاستياء والتذمر التي تتركها تلك الممارسات لدى رجل
الشارع هي من توجه ردة فعله صوب أفكار خاطئة... فيصور له الحاصل أن هذا (الوطن الموحد) هو من يقف خلف ما يثير
تذمره.
ولا أوافق البعض في هذا الرأي بل إنني استنكره.. ولكنني في الوقت نفسه لا ألوم البعض الآخر من غير المتعلمين حين يذهبون إلى توجيه ذلك الاتهام المباشر (للوحدة) وذلك لغياب الدور الرقابي للدولة على هذه
المشاريع... كما أن العبث وتبديد الإمكانيات المالية التي ترصد للمشاريع عملاً متعمداً يأتي لخدمة من يحاولون إثارة النزعات العنصرية والمناطقية.
ففي أكثر من مديرية في عدن نرى مشاريع تنفذ بمئات الملايين.. وحين ينتهي العمل فيها نكتشف أن المستفيد الوحيد من هذا المشروع أو ذاك بعد إنجازه هو المقاول الذي نفذ المشروع.. والمضحك المبكي أن من يأخذ
مقاولات هذه المشاريع من الباطن هم أعضاء المجالس المحلية في المديرية والذين هم أصلاً من أبنائها وبالاتفاق مع مدير المديرية.. ومعظم تلك المشاريع هي سفلتة ورصف وتبليط (أي كلام) ومن ثم تكسير وقشع وهكذا
سنوياً.. وكأن انتعاش البلاد والعباد قائم على ذلك الرصف المأزوم.
ويبلغ العبث أشده باعتمادات المشاريع في مديريات عدن عندما وصل إلى حد إيذاء مشاعر المواطن من قِبل القائمين على السلطات المحلية في المديريات وتلك السيادية المفرطة التي تكشفها ممارساتهم نختزلها في معاناة أحد الأحياء
السكنية بمديرية التواهي في منطقة حجيف، حي (22مايو).. هذا الحي يأتيك بعد انعطافك يميناً عن الخط العام، تسير في طريق مرصوف بعناية فائقة يمتد من الخط العام إلى هذا الحي الجبلي والذي يتفرع بدوره إلى
فرعين: فرع يمين وفرع يسار.
منظر توزيع الرص في هذا الشارع يثير الاستغراب ..فالفرع اليمين من الحي الذي يمتد إلى الجبل لم يرص وتملؤه الحجارة والصخور حتى أنها تخرج غاضبة معترضة إلى الطريق المرصوف وتشوه منظره.. ويأتيك بعده
بقليل الفرع اليسار من الحي الجبلي والذي يسكنه مدير عام المديرية بعد أن تم رصه بالحجارة على أحدث طراز وبطريقة أكثر من متقنة... بينما الحي المقابل الذي يسكنه البسطاء لا يستطيع ساكنوه الوصول إلى الخط العام
إلا بشق الأنفس سيراً على الأقدام حاملين (عجزتهم ومرضاهم) على ظهر (عربيات الباعة المتجولين) بعد أن تعثر وصول السيارات ..نظراً لوعورة الطريق!! وخذوا بالكم نحن نتحدث هنا عن وعورة الطريق
المؤدي إلى حي في مديرية التواهي وليس إلى قرية في قمم جبال يافع أو كور العوالق أو ضحيان أو قمة جبل النبي شعيب.
فتعليق أحد السكان كان دليلاً على قمة السخط الذي يكنونه لقيادة مديرية التواهي وعلى الوضع عامة.. حين سألناه لماذا لم تتم سفلتة الطريق إلى فرع حيكم بينما أهالي الفرع الآخر من الحي يملكون طريقاً رصفت بالحجارة
وبشكل جميل جداً.. يجيبنا بابتسامة تملؤها المرارة: هناك يسكن (المأمور) ويقصد مدير عام المديرية... ولم يتم رص الطريق لسكان الحي وإنما لسكن المأمور.. وأكمل كلامه بالمرارة نفسها والمليئة بروح
الفكاهة التي يتحلى بها معظم سكان عدن: نحن لم نعد نطالب بسفلتة الطريق في الجزء الذي يسكنه معظم سكان الحي لأننا وجدنا ذلك أشبه بالمستحيل!! ما نطالب به ونأمله هو أن ينتقل سكن المأمور إلى هذا الفرع من الحي
لكي تتم سفلتة الطريق.
كما سمعت آراء أخرى مفادها أن مدير عام المديرية تزداد سعادته بإحساسه أنه (أعلى) من هؤلاء المواطنين المجاورين له.. وإحساسه هذا يأتي كلما سلك الطريق إلى منزله المرصوف بالحجارة ورأى سكان الفرع المقابل
وهم يتعثرون أثناء ذهابهم وإيابهم من وإلى منازلهم... هكذا يفسر سكان الفرع اليمين من الحي ذلك التصرف من مدير عام المديرية.. وقد لا يكونون محقين فيما ذهبوا إليه من تفسير.. لكن كل ذلك يكشف أننا قد
نغرس الأحقاد ومشاعر العداء في نفوس الآخرين تجاهنا وتجاه هذا الوطن المفدى بسبب تصرفات لا نعي أبعادها.
.. لحظة ..
نحن نعرف بأنه لا يوجد شك بوجود أشخاص في المجالس المحلية يؤدون واجبهم بالأمانة كلها والإخلاص كله.. ولأننا نتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقاً وتماسكاً فإننا ننقد ولا ننتقد.. نضع أيدي المسؤولين على جوانب
القصور ونحيي في نفس الوقت كل فكر صائبٍ وكل جهد يبذل.
سعاد محمد عبدالله
هؤلاء لا يحبون عدن! 2181