كأي طالبة جامعية سنة أولى تخرج من مجتمع المدرسة المصغر إلى مجتمع الجامعة الواسع ولأول مرة تنفتح على الدنيا وتخرج للحياة الاجتماعية، تحب أن تعرف كل شيء حولها وتمتلك القدرة على التعامل مع كافة الظروف التي
يمكن أن تواجهها .. كنت أنا كذلك .. !
لا زلت أتذكر ضياعي في الشوارع أكثر الأوقات ومرات عديدة أجد نفسي في باص غير باص الجامعة ووجهة أخرى غير جامعتي.. وكم مرات دخلت فيها كليات غير كليتي .. ومرات لا تحصى تلك التي ظللت فيها
أبحث عن القاعة المخصصة للمحاضرة ولا أجدها إلا والمحاضرة على وشك الانتهاء ..! فكم كنت أتعب من هذا الذي يحصل معي .. لحظات صارت ماضي وعندما أتذكرها أضحك على نفسي كثيراً لاسيما بعد مرور
السنوات صرت أعرف كل شيء بل وصرت أعلم غيري (ولا مخرج من بعض الخطأ أحيانا )
مواقف كثيرة واجهتني منها الصعب ومنها الأصعب وكنت أنا أضعف من أن أواجهها لكن الظروف صقلتني وجعلت مني أقوى من ذي قبل ولكن لا أنكر أني كنت ولا أزال ساذجة وضعيفة لن أنسى ما حصل معي وإحدى
السنوات.. درس قاسٍ لن أنساه ما حييت .. وأنا في سنة رابعة في طريقي إلى الجامعة صباحاً مستقلة إحدى باصات الأجرة جلست بجانبي فتاة عمرها قرابة الـ (27) عاما وبدأت تحادثني عرفتني بنفسها أخبرتني أن
اسمها "ليلى" وأنها تعمل في إحدى الصحف وقد جاءت إلى صنعاء في مهمة صحفية وأنها ألآن في طريقها إلى الفرزة عائدة إلى مكان عملها .. تعجبت كثيراً كيف لها أن تسافر بمفردها، كيف سمحت لها أسرتها ؟! .
أخبرتها عن حبي للكتابة وأني أتمنى أن أعمل في الصحافة، وعدتني ان تساعدني وأنها سوف تتواصل معي .. وعلى هذا الأساس أعطيتها رقم هاتفي , وصلت إلى الفرزة ونزلت من الباص مبتسمة لي مودعة وكأنها حمامة
وديعة , وأنا باسمي تمنيت لها أن تصل بالسلامة ..
واصلت طريقي وأنا في قمة السعادة وحاسة أني قمت بانجاز كبير وكسبت صديقة وأختاً كبيرة .. بعد مرور شهرين تقريبا اتصلت بي.. طرت من الفرحة.. كانت نعم الصديقة تحادثني بالساعات وتسألني عن أحوالي
وأنا كنت أشكو وابكي وافتح قلبي لها وأحكي لها كل شيء وأي شيء .. وبالمقابل لا أعرف عنها شيئاً ..! ولم أسأل حتى ..!
رغم صداقاتي الكثيرة في الجامعة التي تجاهلتها فقد ارتحت لها أكثر وكانت أقرب إنسانة إلى قلبي وكنت صادقة معها إلى أبعد الحدود .. عند قرب حفل تخرجي اتصلت بها راجية أن تحضر وتفرح لفرحي .. وافقت
فوراً ووعدتني بالحضور أكيد تخيلوا معي .. إنسانة غريبة لم أقابلها إلا مرة واحدة في حياتي وفي الشارع..! ولا أعرف عنها أي شيء سوى اسمها (المزيف) ووظيفتها (الوهمية) حيث أنها لا تعرف حتى كيف
تكتب اسمها أو تتهجاه ..!
رغم هذا كله أقنعت أهلي باستقبالها في منزلنا وأنها ثقة وصديقتي وفعلا وافقوا ويا ليتهم ما فعلوا ..! ذهبت لإحضارها مع أحد إخوتي وبسيارتنا الخاصة من موقف الرويشان .. دخلت بيتنا وأحسنا إكرامها وضيافتها كما
فرض علينا الواجب، كانت سعادتي لا توصف بحضورها، وحينما رأيت وجهها للمرة الأولى لم تكن نفس الصورة التي رسمتها لها في خيالي .. لم أرتح لها كانت مختلفة جداً وغامضة جداً ومريبة جداً ..! ولكن كنت
أكذّب نفسي ..!
بدأت محادثاتها مع أمي وأخواتي عن قصص وخيالات من نسج الخيال المريض التي تتمتع به وأنا في غفلة عن كل هذا، كان هاتفها لا يكف عن الرنين ليلاً ونهاراً والمتصلون لا أبها ولا أمها أو أي أحد من أفراد عائلتها ( هذا إن
كان لديها عائلة ) .. بل كانوا أناسا غرباء وكل يناديها باسم شكل ..!!
في صباح اليوم التالي ذهبنا لحفل التخرج معاً بعد أن تأنقت أكثر مني ووضعت روائح العطور ومساحيق التجميل ولا كأن الحفل حفلها أو أنها تظن نفسها ذاهبة لحفلة عرس ..!
اغدقتني بالهدايا الثمينة وعقود الفل وباقات الورد .. ولكن هذا كله لم يقدر على أن يخفي حقيقتها عني التي سرعان ما انكشفت شيئاً فشيئاً .. خلعت عنها رداء الطيبة والمسكنة والشهامة وظهرت على حقيقتها حية رقطاء
والسم في فيها ..!
ذهبت إلى أمي وبدأت تحادثها عني تفسد علاقتي بها وتخبرها اني كنت أشكو وأبكي لها .. استغلت ضعفي وثقتي بها لتحرجني أمام أهلي .. غضبت أمي مني كثيراً وظلت تسألني ما الذي كان يضايقني ولماذا أشكو للغرباء
ولا أكلمها.
فتحت لي باباً للمشاكل كنت في غنى عنه , ولا شيء يذكر يستحق هذا العناء ,غير أني كنت محتاجة أتكلم فقط ولكن أخطأت في الاختيار .. صنعت شرخاً عميقاً بينياً وبين عائلتي .. لا ادري لما تصرفت هكذا .؟
لم أضرها بشيء، لم أدس لها على طرف..؟ لا مبرر لفعلتها أبدا ..!ّ
رحلت خفيةً وتركت لي علامة استفهام كانت لا تفارقني .. لاسيما بعد أن بانت حقيقتها واضحة جلية بعدما وصلتني رسائل تهديد بالجوال منها تهددني فيها أنها قادرة على إلحاق الضرر بي وبعائلتي أو خطفي .. وقذفتني
بكلام أعجز عن تحمله ولا يقوله حتى أولاد الشوارع ..! وما حيلتي فأنا لا أعرف عنها شيئاً.. لمن أشتكيها ؟ وهي تعرف عني كل شيء ..!
ليلى الذئبة كانت ضمن شبكة لا أخلاقية همجية ..! رغم إكرامنا لها وصدقي معها إلا أن من طباع الذئب الغدر ونكران الجميل، لم تقدر أن تتحمل ثوب الطيبة الذي كانت ترتديه وسرعان ما انكشفت وكادت أن تحطم حياتي
بلا رحمة ..ّ!
حيث والاختبارات كانت على الأبواب وأنا منهارة ومصدومة .. وكيف أقدر أن أذاكر ؟!
استعدت نفسي بصعوبة وحاولت إصلاح ما أفسدت , نست أمي الأمر بصعوبة وخفت وطأتها عني , تخلصت من هداياها أو أي شي يذكرني بها وأخذ مني نسيانها وقتاً طويلاً وخلصني الله من شرها (على ما أظن )..
كان درساً مؤلماً .. علمتني ليلى الذئبة أن معرفة الشارع لا تأتي بخير أبداً ولو أني رأيت كلباً وأكرمته لكان أوفى منها ومن أمثالها ..
إحذرن يا طالبات الجامعة من ليلى.. وأقول لـ ليلى الذئبة ومثيلاتها : يجيء لك يوم , حسبي الله ونعم الوكيل ..
فقد صرت أشك أن الجميع ليلى .. الذئبة .. !
ملاك عبدالله
ليلى الذئبة..! 2077