دعوا الخبز لخبازه مثل بسيط جدا ولكنه يحمل في مضامينه معاني لها دلالات واضحة المعالم لا غبار عليها تبين لنا بحسم انه لا سبيل لانجاز أي عمل إلا من خلال إسناده لمختصيه , قاعدة بسيطة الفهم مضمونة النتائج يحرص على التمسك بها أولئك الذين يسعون إلى تحقيق نتائج إيجابية على الأرض , وهي ليست غائبة عن بال احد وكلنا بالطبع يدرك ذلك , لكن المصيبة والكارثة تحدث عندما تغتصبنا مصالحنا الضيقة ورغباتنا المفضوحة وعلاقتنا الضيقة الأفق فنخون الثقة التي أوكلت إلينا ونستخف بقاعدة دع الخبز لخبازه ونعطي لها ظهورنا ونسقطها من قاموس اهتماماتنا التي نوهم الناس بأنها مسخرة لخدمة الوطن ومتطلباته ولكن سرعان ما تفضح النتائج زيف ادعاءاتنا لإقحام أنفسنا في ما لا يعنينا وتكون المحصلة النهائية من وراء كل ذلك أننا أغرقنا الطحين بالماء فحولنا عجينة الخبز إلى عصيدة معصوده عصد هويتها غير معترف بها على قائمة خدمات (المنيو).
المشكلة التي نحن بصددها الآن ليس لأننا تركنا الخبز لغير الخبازين فقط وإنما في إصرارنا على استنزاف ماتبقى من متاعنا على وجبات نعرف سلفنا أنها ستطلع في الأخير معصوده عصيد يجبر على تجرعها عامة الناس شاءوا أم أبوا بينما علية القوم لا يجدون حرجا في إتباع سياسة الحاج منصور صاحب مطعم يتميز بخدمات كلها مدبوشه دبش يقبل عليها اضطراريا ذوي الدخل المهدود وما دونهم لأسعارها المغرية في حين إذا ما سألت عن الحاج منصور سيقال لك انه يتناول طعامه في المطعم المجاور مما حير الناس في تفسير أمر خدماته منهم من قال انه يستغل الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها العامة بينما فسرها آخرون على أنها خدمة استثمارية مع سبق الإصرار والترصد تلبي إمكانياتهم المادية المحدودة حتى يجد كل واحد فرشا على مقاسه.
ومع إننا لم نتعظ بل وأدخلنا أنفسنا في خصومة شديدة مع المثل القائل إذا كثر الطباخون فسد المرق إلا أننا تطرفنا أكثر حينما حشرنا مطبخنا بما لايتسع من الطباخين المزيفين الذين يجدون صعوبة بالغة في التفريق بين قشرة البصل من الثوم ,وكل ذلك من اجل خاطر وعيون يعقوب والغرض الذي في نفسه وهي أجواء ملائمة ومغرية ومثالية للتخلي عن تعلم فنون الطبخ والسعي إلى استغلال وجودهم في المطبخ وعلى مقربة من تمويناته المتعددة تاركين لأيديهم العنان ليل نهار وحيث ماتمتد مع الحرص الشديد على أن تصل إلى ما خف وزنه وغلى ثمنه ,لا وقت للوطنية وشعارات الأخلاق والكرامة وغيرها من المفردات والكلام الفارغ لإيمانهم من أن محلها ليس هنا وإنما هناك أمام الميكرفون وعدسات التلفزه ,كل ذلك كان مطلوبا وبأسرع مايمكن حتى يكونوا أهلا للترقية الجديدة القادمة ولن يبخل عليهم بالتزكية والموافقة لا القانون ولا مؤسساته الدستورية ومن بينها نيابة أصحاب الأحوال الهامة وهيئة مصالحة الفساد فكان لهم ما أرادوا طالما أنهم لايحيدون قيد أنملة عن خطى وسياسة الحاج منصور ,إما عامة الناس فعليهم أن يتصالحوا مع العصيدة المعصودة عصد والمدبوشة دبش حتى يتعودوا على تجرعها وتحمل ما لا يطاق من منغصات المعدة واضطراباتها إلى أن يأتي اليوم الذي يترك فيه الخبز لخبازه, لقد كان صديقي عبد المعطي على حق ,ذلك الإنسان البسيط جدا في تفكيره ومؤهلاته وإمكانياته له فلسفته الخاصة في أمور الطبخ والطبيخ حتى انه ربط مصير أتمام نصف دينه بشرط صارم لا رجعة عنه وهو من الضروري جدا أن تجيد شريكة حياته فنون الطبخ وحينما سألوه عن السبب قال لا أريد أن انهي حياتي متسولا على أبواب الجيران وغيرهم ,لان تدهور الحالة الاقتصادية مرتبطة بتدهور أحوال المطبخ فتضطرب معها أحوال الأسرة بأكملها وتتعرض للتشتت وقد افقد حينها ليس الزوجة فقط وإنما الأولاد أيضا ويضيع كل شي أنجزته طيلة حياتي هباءا منثورا, والسبب المطبخ.
amodisalah@yahoo.com
صلاح محمد العمودي
دعوا الخبز لخبازه 2911