;
محمد الحيمدي
محمد الحيمدي

إننا نحذر ولا نحرض !! 1589

2010-12-23 12:02:18

السياسة هي خبز وكرامة .. حبة دواء وكُراس مدرسة وكيس طحين ومسكن .. هي فضاءات من الحرف غير الملاحق بنصوص التجريم ومواد التحريم .. هي صرخة حرة مسؤولة .. تعبير سلمي عن وجع الروح المحاصرة بترسانة من القوانين الاستثنائية .. وهزال البدن المنهك بسياسية جرع التجويع القهري المنظم .

السياسية في معناها الإنساني ليس خطابات صفراء شاحبة أو وعوداً ملطخة بالريا والكذب والنفاق .. تطلقها السلطات كلما أرادات خطب ود البؤساء ونهب أصواتهم بالقرصنة حيناً .. وحيناً آخر بوعد بيسر ورفاة بعد عُسر وجوع وتعب .. سيل من الأماني زفت على طبول الانتخابات على مذبح سلب الإرادة لتنتهي بنا إلى دجل وتدليس وعدم .. وننتهي نحن معها إلى فقر وعوز وإملاق .

هكذا يفهمون السياسة في مخابز السلطات : مداورة والتفاف على حقوق الناس .. اختراق للغش العلني والتزوير الفاضح .. على شعب يتحمل الجور.. يؤجل الرد لبعض الوقت ولكنه لا يغفر إلى الأبد للصوص الخبز والسكنية والأوطان . هكذا هي السياسة في دهاليز السلطة ومطابخ صناعة الخطاب الرسمي .. تضيق فيها الحلقات .. وتنحسر فسيح الأمل أمام المواطن .. في ظل سياسات رسمية تمضي بخطى سريعة في أنفاق بلا بصيص ضوء يتبدى في نهاية نفق العبث بالسلام الاجتماعي وبالحقوق المادية للناس .. من ضمان عيش كريم وتنمية متوازنة .. وكفالة الحريات العامة لنخب الثقافة والفكر والسياسية والصحافة .. وفي ظل كل هذا الظلام الذي تراكمه السلطة وتسربل به جثامين البشر الذين أضحوا أمواتاً بفعل جرعات التجويع .. وهراوات الترويع وانسداد الآفاق في مساحة تمتد من زوايا السياسية إلى نكايا المجتمع المدني .. والطبابة وجهالة التعليم وحتى أفران الرغيف .. الكل هنا يدفع ثمن الحماقات الرسمية من ملايين المسكونين بالأوبئة الفيروسية وحتى ملايين المسكونين بأمل وقف مصادرة أحلام التغيير والتنوير وبناء أسس الدولة العصرية الإنسانية الحديثة .. حيث العدل والثروات والحريات في متناول الجميع ومن حق الجميع .

إذاً عام يكاد أن يمضي على حكم يقطر خلفه أحزان الوطن ليضعنا مرة أخرى على سكة حزن جديد أشد وأنكى وفي حمية جندلله لحقوق وقيم العدل والفضيلة .. يصنع الحكم المزيد من المآسي ويحفر في لحم الناس أخاديد أخرى من القهر ومشاعر امتهان آدمية ملايين الفقراء التي تسفح تحت أقدام سلاطين الفساد والساسة الرسميين بتراتيبة هرميتهم وتعدد مرجعيات حمايتهم .

في اليمن ونحن نطرق باب عام جديد .. أي الخيارات تتراءى أمام المستضعفين وهم يتلمسون مواضع السياط التي تجلدهم صباحاً ومساءاً من تراجع السعرات الغذائية وحتى تصاعد الأسعار وانسداد فضاءات التعبير .. أي خيار يلوح أمام بسطاء متعبين نكبوا بسياسات غير رحيمة وإجراءات اقتصادية غير شعبية .. وزحف غير مقدس على ما تبقى من الإضاءات خافتة تتسلل من خلف معضلات بعض مؤسسات المجتمع المدني .. الغائبة قسراً عن صدارة المشهد .. لعل هناك من يستلهم من ظلال ذلك الضوء الشارد ليبني عليه أملاً في الخلاص .. وترياقاً شاف من سموم وأوبئة سياسات الأنظمة .. في ظل القمع الشامل المستمر لا شيء يراكم على الأرض وفي فضاء التمني ممكنات التحرر من ربقة وقيود الراهن الجائر ما لم تكن هناك في فكر النخب روح المبادرة وكسر حاجز الخوف والحسابات الخاطئة .. لا شيء يضع حجر الأساس لبناء قادم قيد التشهيد في صرح أرض صخرية عقيمة لا يتمخض من بين ثناياها سوى « مدن الملح» لا مدينة الفضيلة والعدل والمساواة .. لاشيء يحذر مدامييك التغيير إن لم تتحرر طلائع الشعب أحزاباً ومنظمات ونخباً من سلطة المكتب وهيمنة ثقافة الانغلاق والتعالي على أوجاع قاع متفجر متشظي .. أوجاع عرضة لامتطاء صهوة غضبها من قبل أي من القوى السائرة في ركب اللاغد .. ركب العنف والتدمير الشامل .

إننا أمام ظروف المعاناة بدوائره الآخذة بالاتساع بحثاً عن حضن برنامج سياسي يوقف تمدد المعاناة السائرة في حركتها حتى أقصى درجات التلاشي .. إننا أمام تململ غاضب خارج عن السيطرة .. منطلقاً بكل عنفوانه بعيداً عن التأطير السياسي المطلبي .. غضب إن لم تبادر قوى الفعل السياسي لاحتوائه وإعادة تشكيل معاناته .. وتوظيف زخمه للسير به ومعه صوب التغيير السلمي المدني ، فإن حالة الانفلات الشعبي الناجم عن اشتداد قوة ضغط الإجراءات التجويعية سيكون عصي حينها على الترويض وضبط المسارات وسيمضي كاسحاً جامحاً .. متفلت العقال والقياد .

إن السلطة وهي تميت الناس صفاً صفاً .. وكابراً بعد كابر .. لا ترى في دلالات هذا الإجراء التجويعي أتون رفض ومرجل احتباس شعبي لمشاعر الغيض والألم والأسى الاجتماعي الإنساني، غضب من غياب البدائل في المدى المنظور .. إن الحكومة تسرق من الناس ليس خبزهم الحاف .. بل وحتى مبررات الحياة .. وهي النقطة التي تضاف اليوم لتنقلنا جميعاً إلى مرحلة التحول النوعي الغامض .. بعد أن راكمت السلطات المظالم وجردت المواطن من اعتزازه بالانتماء واعتداده بالأوطان .. في ظل كل هذا اليباب العظيم العقيم .. لم يبق أمام المواطن الملاحق بقوت أطفاله .. المهدد بهلاك الزرع وجفاف الضرع وتبدد الكرامة .. لم يعد لديه ما يخشى فقدانه أن هو صرخ .. ثم إن هو أردف صرخته بقبضة غاضبة ضاربة ثم أن هو جمع الاثنين واعتلى الطوفان واقتلع عروش الأوطان .

وإذا كانت الحكومة بجبروتها وطيش سياساتها تعتقد بإمكانية فرض السمع والطاعة على الشعب العادي البائس .. فإن الحكومة تفرض خيارات الموت أو الموت .. إننا نحذر ولا نحرض .. نبتهل بإزاحة الغصة من فم القراء والغمة من صدورهم .. نفعل ذلك جزعاً على وطن يتسرب بين يدي الجميع .. يتلاشي تحت أبصار الجميع دون أن يمنحنا متسعاً للندب واللطم .. لشق الجيوب والبكاء على وطن يتآكل ... ليرحل .. ولا يعود .

إنها أسئلة مدببة تنغرز في لوحة مشهد اجتماعي محتقن ,, منفجر ولا ترى السلطة على خلفيته بأن هناك ما يجب أن يقلق بشأنه : موت قوافل الجوعى .. لاشيء لديها مدعاة للقلق : الموت الجائر وكذلك نواقيس وأجراس الخطر الداهم إنه الطوفان ومن يرى غير ذلك فليأت ببرهانه .. أو فليرم الجياع الغاضبين الساخطين بحجر !! .

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد