تلح تركيا على إسرائيل كي تعتذر عن قتلها عدد من الناشطين الأتراك على أسطول الحرية في 31\5\2010 وأكدت أن هذا الاعتذار ثم تعويض الضحايا سوف يزيل ما علق في العلاقات بين البلدين.
في نفس الوقت أكد الرئيس التركي أن لا مصالحة مع إسرائيل مادامت مياه البحر المتوسط تحمل دماء شهداء أسطول الحرية.
تدرك تركيا جيداً درس أسطول الحرية ومغزى الهجوم الإسرائيلي المتعمد، كما تدرك الحسابات الإسرائيلية في هذا الملف؛ تدرك تركيا أيضاً أن واشنطن وقفت ضد التصعيد التركي إزاء جرائم إسرائيل لدرجة أنها رهنت علاقاتها مع تركيا في ميزان العلاقات الإسرائيلية التركية، فأصبحت تركيا وحدها في جانب وإسرائيل ومعها أمريكا في جانب آخر.
ولكن تركيا بحاجة إلى إسرائيل وفى نفس الوقت تشعر بالحرج والإهانة، فقد رفضت إسرائيل حتى الحد الأدنى وهو الاعتذار أي الاعتراف بأن الهجوم كان خطأ موجها إلى تركيا، ولكن إسرائيل ترى أن تركيا هي التي أخطأت وأن المسألة لم تعد مجرد حادثة بعد كل التصريحات الرسمية التركية، خاصة تصريحات أردوغان في بيروت في نوفمبر 2010وتأكيد تركيا على أن البلطجة الإسرائيلية في فلسطين ولبنان يضر بالمصالح التركية وأن تركيا لا تسمح بذلك، وأن استقرار لبنان وحمايته من العدوان الإسرائيلي قضية تهم تركيا ويبدو أن إسرائيل قررت، بعد كل ما جرى من الزاوية التركية واتهام الموساد بعمليات ومساعدات لحزب العمال الكردي وتفجيرات وجرائم داخل تركيا،أن تضع تركيا على القائمة السوداء وأن حكومة حزب العدالة لابد من استئصالها لأن الحزب نفسه خطر على إسرائيل وأن سياساته كلها معادية لإسرائيل، كما أن إسرائيل تجرى مقاربة بين الحزب وبين التيار الإسلامي المعادي لإسرائيل، خاصة وأن إسرائيل مدعومة في كل حال من واشنطن التي لم تتمالك نفسها إزاء اندفاعها في عداء تركيا بعاطفة الدعم لإسرائيل أو ربما لأن واشنطن تقدر أن تركيا قد وصلت إلى حواف التحالف معها ومع إسرائيل ومع الأطلسي وأن أي تجاوز سوف تقفز بها خارج أسوار هذا التحالف إلى الساحة العربية الإسلامية المفتتة، وبعد أن حاولت واشنطن أن تجد تركيا في الاتحاد الأوروبي متسعا ًلحيوية نظامها وضبطا لسلوكها في إطار الاتحاد، ولكن جهودها لم تفلح في كسر الفيتو الفرنسي والألماني .
فهل تقرر تركيا أيضا ًأن ما جرى هو مؤشرات الصدام بين مشروعين على منطقة واحدة وفى ملف واحد هو ملف الصراع العربي الإسرائيلي، أم أن ما جرى يحتاج إلى تنسيق لتفادى الصدام مع حرية كل طرف بالتصرف في الساحة العربية الإسلامية دون اعتراض أحدهما.
وهل تتوازى التقديرات التركية مع الإسرائيلية بحيث يلتقيان تكتيكياً أم استراتيجياً مع استمرار الخلاف التكتيكي.
الثابت لدينا هو أن تركيا جُرحت جرحاً غائراً وأن الشعب التركي يعتبر معاداة إسرائيل نمطاً من الدفاع عن المصالح والكرامة التركية ولا يفسر المسألة على أنها ثنائي العلماني والإسلامي بل كلهم أتراك، ولا تستطيع أي حكومة أن تمحو من ذاكرة الأمة كل هذه الإهانة المتعمدة .
الثابت أيضاً أن إسرائيل قررت التخلص من حزب العدالة والتنمية وتعديل أركان الموقف في تركيا وصناعة القرار فيه تحسباًً ًًللمستقبل الذي سيشهد اندفاع المشروع الصهيوني بأسرع ما يمكن بعد أن شعرت إسرائيل ترتيب بعض الأوضاع عند جيرانها العرب وأهمهم مصر؛ فيما يبدو الثابت من ناحية ثالثة أن ما قامت به إسرائيل تعتبر جرائم في القانون الدولي وأن لجان التحقيق الهزلية تسترت على هذه الجرائم،وأنه رغم هذه الجرائم؛ لا تزال الجريمة الكبرى التي أراد الشهداء التصدي لها قائمة وهى حصار غزة وعزلها عن العالم الخارجي وامتهان كافة البيانات والقرارات التي تطالب إسرائيل برفع الحصار.
لقد تمكنت إسرائيل من إرسال رسالة واضحة وهى"أنها هي التي فرضت الحصار وتملك لغزة الموت والحياة وأن تجاسر تركيا على التصدي للإرادة الإسرائيلية مخاطرة تنال من مكانة تركيا في محيط تحالفاتها"،فكيف قرأت تركيا هذه الرسالة وهى تدرك تركيا أن مشروعها يصطدم بشكل دموي مع مشروع إجرامي صهيوني لا يفهم سوى لغة الدم والقتل والقوة؟
جرائم أسطول الحرية وسام على صدر تركيا وحدها وظنت أنها تقود حرباً ضد طغيان إسرائيل لا تلبث المنطقة أن تشتعل كلها بالغضب، ولكنها أدركت أن الشعوب وحدها دون إرادة الفعل وتحت القهر الداخلي لا تتواصل مع حملتها.
هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ولا بالاعتذار لتركيا مما نالها من أذى، بل إنني توقعت أن تطلب إسرائيل تعويضاً من تركيا عما لحق مشاعرها من أذى بسبب اضطرارها إلى القتل دفاعاً عن قرارها وعن شعبها الذي صدق أنه شعب الله المختار لارتكاب الجرائم ضد مخلوقات الله، وتزوير رسالة موسى وأنبياء بني إسرائيل عليهم جميعاً أفضل السلام وأجل التسليم .
عبدالله الأشعل
هل ينهي اعتذار إسرائيل لتركيا جرائم أسطول الحرية ؟ 1852