سألت أحد الشباب المتفوقين والخريج من الجامعة منذ عدة سنوات ولم يجد وظيفة ..عن أمله في الحياة، فأجابني الهجرة إلى "إسرائيل" .. لم تكن الإجابة غريبة من وجهة نظري الشخصية فمعظم الأنظمة العربية المعاصرة وبعد انهيار المشاريع القومية والحداثية تعمل على ضياع الهوية العربية والإسلامية، لم يعد معظم الشباب العربي يحلم بالزهور وتحقيق الوحدة والعدالة الاجتماعية .. ففي ظل مجتمع يحمي الراقصات ويطرد الشعراء من مملكته -حسب قول الشاعر الراحل نزال قباني .. تجف آمال الشباب ويتمنى فقط أن يتسكع في شوارع باريس ولندن، فالمهان في وطنه لا يحلم بالوطن .. هذا الوطن الذي يعتلي فيه عديمو الخبرة وأِشباه المتعلمين " والجندرمة" وأصحاب السوابق ووو ألخ .. قمة الهرم السياسي والاجتماعي والشرفاء وأصحاب الخبرة والكفاءات يحتسبون المرارة والتهميش والإقصاء .
في الماضي كان حب الوطن يشربه الطفل من ثدي أمه ..واليوم أصبح حب الوطن عملة بائرة، في زمن لم يعد الوطن فيه الفلسطيني يحسب بعدد الشهداء وإنما يتم تقسيمه بالكسور العشرية، في ظل أنظمة عربية كسرت الحاجز النفسي بينها وبين إسرائيل .. لم يعد الوطن قُبلة على جبين الغابات وأشجار الزيتون، وإنما أصبح إهانة توجه إلى ضمير العاشقين لابتسامة أطفاله، ولم تعد الوظيفة والترقية والمراتب الاجتماعية منافسة شريفة بين أنصار الفُل والياسمين وأصحاب الكفاءة ، وإنما أصبحت حكراً على المتسولين على موائد الغرباء .
ممن يكسبون رزقهم بتشويه الحدائق وزرع العاهات والشاحتين الجياع، كي يصبح الوطن مزرعة يزرع فيها "الأفيون" والخراب والدمار ولكي تموت الكلمات العظيمة وأخلاق العظماء في شفايف الرضع وأطفال المستقبل، فينجبون بهذا جيل "الهمبرجر" وأفلام الرعب وألعاب"الفيديو" وأغاني السح الدح" و"بسلامتها أم حسن" و "بوس الواوا" و"بحب الحمار" ... إلخ .
لم يعد الوطن لمن يشفق عليه والوظائف لمن يتخذها وسيلة لتنمية الوطن وإزالة الألم عن كاهل المرهقين المتعبين ، وإنما أصبح الوطن والمراتب الاجتماعية لأنصار العاهات والمشوهين قيمياً وأخلاقياً ممن يقضون أوقاتهم الصيفية في مواخير الغرب المتحضر يبحثون عن مؤامرة ضد الوطن، والوطن لهم مجرد بريق الدولارات واليورو وبواسطتها يتلذذون بحرمانه الشرف التليد، لم يعد الوطن لمن يدعو إلى تطهير النفس ومقاومة الظلم والرحمة بالمتعبين الجياع ، وإنما أصبح الوطن مستباحاً لمن يشربون كؤوسهم المترعة بدماء الشهداء، ويتسابقون بالفوز بنعيم أميركا ويعبدون الحاخام اليهودي من دون الله .
لم يعد الوطن للباحثين عن الحق يدفعون أرواحهم للموت في سبيله ، وإنما لأصحاب الضغائن ،أولئك الزعانف الذين يخدش ذكرهم حياء البراءة ممن يصدرون الوطن والحب وأشجار النخيل للبيع في المزاد العلني ويستوردون بهذا الثمن عار المذلة وقهر الرجال العظماء .
لقد قتلوا فينا حب الشرف وحب الجمال لكن يوهمونا أن بيع الوطن هو المخرج الوحيد !! لقد أصبحت تعاليمنا المشرقة ومثلنا السامية وبراءة الأطفال في خطر.. فهل تتحرك جماهيرنا المتعبة وفي طليعتها القوى السياسية والأحزاب الوطنية ومنظمات المجتمع المدني وكل شرفاء هذا الوطن لكي يعيدوا الزهور إلى حدائق الوطن والابتسامة إلى قلوب المرهقين والخبز إلى بطون الجائعين وفلسطين إلى أهلها المتعبين المشردين .
قد دفعني كل ذلك الصمت المرعب وهالة السكون إلى أن أقذف كلماتي هذه إلى أغوار النهر الساكن .. أن أصرخ .. لأن كل شيء في خطر ولم يعد الصمت ممكناً ..فقد آن الأوان أن نورث لأجيالنا القادمة روح العزيمة إذا كنا أوفياء فعلاً لتراثنا التليد العظيم وإلا حكمنا على أنفسنا أن نخرج من مشرح وقلب التاريخ الذي نحن العرب جذره وقلبه ورئته ونصبح أضحوكة للأمم .
الأمين العام لنقابة الصحفيين محافظة الضالع.
Alhuimdi@gmail.com
محمد الحيمدي
حتى لا نصبح أضحوكة للأمم 1733