لطالما حاول أكثر الأدباء والشعراء والمثقفين التغني بجمال الطبيعة وحلاوة الحياة والتبرؤ من ضراوتها وقسوتها ومعاتبة من يعيشون حياة النكد والحرمان ومطالبتهم التأمل في جمال الحياة وبهائها، حتى وان صدق إيليا أبو ماضي عندما قال كن جميلاً ترى الوجود جميلاً، ولكن كيف لإنسان أن يعيش ذلك وهو يعاني بطش متنفذين وظلم حمقى ومحاربة حاقدين يمارسون أبشع التصرفات اللا إنسانية في حق الآخرين؟.
من أين لإنسان ذلك الجمال وأطفاله يتضورون جوعاً وعيناه تذرفان دموع الندم على حال مستضعف لايملك لنفسه سوى الندم والحسرة على أسرة هو ربها ينهشها الفقر والحرمان ويتجاهلها الأغنياء ومن يتحمل مسؤولية هذه الأسرة أمام الله؟ كيف لإنسان مثل هذا أن يرى الوجود جميلاً وبأي عين أو قلب يمكن أن يرى ذلك الجمال الذي كان يراه الأدباء والشعراء،لأن داء الفقر كان بعيداً عنهم وكل ما كان يشغلهم سوى الهجرة ومفارقة الأحبة، أما حياتهم المعيشية فكانت في أحسن حال؟.
الغريب أن البعض من مسئولينا وأغنيائنا مازالوا يدندنون بجمال الحياة والتذمر من البسطاء والمساكين ويطالبونهم بالترفع والابتهاج بحياة النكد والحرمان التي لو عاشها أحد هؤلاء المتذمرين من الأغنياء أياماً معدودة لرأى وتجرع مرارة الصبر الذي يختلج صدور البسطاء من الذين لا يسألون الناس إلحافاً، البعض من الناس أيضاً ما إن يفتح الله عليه ويمن عليه من فضله وكرمه حتى يشرع في مضايقة الآخرين متناسياً معاناته السابقة في ظل الفقر وكأنه ينتقم من حياة تجرع فيها ألم الفاقة،فينسيه وضعه الجديد حياته السابقة فيعتقد أن النعيم الذي يعيشه لن يزول،فيبطش ويعتدي ويظلم الناس من أجل الناس ،فلو أدرك هذا المسكين الصدمة القاسية والخذلان الذي سيتلقاه عندما يتبرأ منه من كان يتبعهم ويعمل لأجلهم لعض الأنامل حسرة وندامة،هكذا هي الحياة وهذه هي الحقيقة التي يجب أن نعقلها.
وطننا اليوم قد أثبت أنه قوي وقادر على تجاوز التحديات والمراهنات، شيء جميل والأجمل من ذلك أن يبدأ هذا الوطن خطوات قوية وصارمة في تفعيل دولة القانون الذي يسري على الصغير والكبير،يجب السيطرة على كل من يعتقدون أنهم متنفذون وقادرون على تخطي النظام والقانون، يجب محاسبة العتاولة بمختلف مستوياتهم الذين يحاربون الوطنيين ومن يخدمون هذا الوطن بضمائر حية غير آبهين بشياطين الارتزاق من الطابور الخامس الذين لايجيدون سوى فن التنكر والزيف في عالم أصبحت معطياته مكشوفة.
لابد من لفتة سريعة وتوجه سريع لوقف المتلاعبين بمقدرات الوطن والخائنين لله ثم لولي الأمر والشعب، ومن هؤلاء أولئك الذين بين عشية وضحاها انتقلوا من حياة البؤس والحرمان إلى حياة البذخ والترف وعلى رقابهم مظالم الأبرياء من ضحايا بطشهم وتنفذهم.
aldahiad@yahoo.com
محمد أمين الداهية
نماذج من عالم الزيف!! 1552