ما أكثر المرات التي اجتمعنا فيها لمناقشة ظاهرة الفساد، التي تكاد تكون منتشرة في معظم المرافق الحكومية، تلك الظاهرة بل الوباء الذي يهدد أي تنمية جادة وحقيقية.
كم مرة انتفضنا وبحماس لمناقشة تدهور وتدني أحوال ومستوى التعليم بكل مستوياته من المرحلة الأساسية إلى الجامعية، وأصدرنا عشرات المقترحات والتوصيات، وقلنا يجب كذا وينبغي كذا، وكم مرة انتفضنا وبحماس لمناقشة قضية "محو الأمية" وكم سنة نحتاجها للقضاء على الأمية، وكم مرة انتفضنا وبحماس لمناقشة ظاهرة تسرب الطلاب معاً من المدارس، وطالبنا وأكدنا على ضرورة وأهمية بحث أسباب هذه الظاهرة وسرعة القضاء عليها؟!
وكم دعونا وبحماس لمناقشة وعرض ظاهرة الجفاف بالصوت والصورة التي تجتاح معظم إن لم نقل كل مدن ومحافظات الجمهورية، وتحديداً الريفية، وباتت تهدد الزرع والضرع وتنذر بكارثة إنسانية وبيئية وشيكة، وكم مرة انتفضنا وبحماس لانتشال وضع الرياضة من حالة الركود بل الموت، وطالبنا وأكدنا على ضرورة تقديم الدعم والاهتمام بالرياضة، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب فنياً وإدارياً ورياضياً وكفاءة ونزاهة، بعيداً عن الشللية والمناطقية والقبلية والمجاملات ووإلخ، وكم قلنا وصرخنا يا جماعة أن من أكبر ما يعيق رياضتنا وجعلها في هذا المستوى العقيم الهابط، هم أولئك المسؤولون الذين يعتلون قمة الهرم الرياضي وهم لا يفقهون "ألف.. باء" الرياضة؟.
كم مرة انتفضنا وثرنا لمناقشة قضية زواج القاصارت وغيرهن من البالغات للأجانب والأشقاء، وحذرنا من هذه الظاهرة الخطيرة التي يقدم ويقوم بها بعض الآباء وأولياء الأمور تحت إغراء المال وذلك الحاجة، وبالمثل كم انتفضنا لمناقشة خطر ومخاطر تهريب الأطفال الذي يزداد عددهم يوماً عن يوم حتى صار عدد الأطفال المهربين المئات بل الآلاف ، وكم مرة انتفضنا وبحماس لمناقشة قضية أو ظاهرة البطالة التي تقذف سنوياً الآلاف من الشباب إلى قارعة الطريق، وقلنا أن هؤلاء الشباب هم "قنبلة موقوته" قابلة للانفجار في أي لحظة.. إذا ما تم استغلالهم من قبل ضعاف النفوس وأعداء الوطن والإنسان، لاستخدامهم كوسيلة ومطية لتحقق أغراضهم الشريرة لأن "الجوع كافر"؟.
وكم مرة انتفضنا وبحماس لمناقشة ظاهرة الانتحار وبيع السلاح وإطلاق الأعيرة والألعاب النارية الخطيرة التي طالما أزهقت أرواح المئات من الضحايا سيما الأطفال، وكم مرة انتفضنا وبحماس لمناقشة الوضع الصحي السيء، وطالبنا الجهات المختصة للاضطلاع بواجبها الإنساني والسعي لتحسين مستواه ورفع فاعليته، لما من شأنه القضاء على الأمراض والأوبئة التي تنتشر وتزداد انتشاراً شهراً بعد شهر ويوماً بعد يوم حتى أصبحت مستفحلة، وأصبح من الاستحالة القضاء عليها، بسبب إهمال هذه الجهات، الأمر الذي صارت تحصد عشرات الأرواح يومياً؟
وكم مرة انتفضنا وبحماس للمطالبة بحقوق الصحافيين المشروعة المعيشية والمهنية ورفع الظلم والأذى عنهم، وطالبنا الجهات الحقوقية والقانونية ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية التضامن معهم انتصاراً للحد الأدنى من كرامة الصحفي وشرف المهنة؟
وكم مرة انتفضنا لمناقشة قضية الدعم.. وكيف يصل إلى مستحقيه؟
كتبنا كثيراً وقلنا كثيراً ويبدولي من كثر ما كتبنا وقلنا إننا أصلحنا العيوب وعالجنا الأخطاء وحللنا كل المشاكل!!.. لكن الحقيقة المرُة المؤسفة إننا كنا كالذي "غني جنب أصنج"! أو كالذي ينفخ في قربة مثقوبة!!.