يشكك البعض في حقيقة وجدية الوساطة القطرية بين جماعة التمرد الحوثي والحكومة اليمنية ـ حلوة هذي جماعة التمرد والحكومة ـ ويذهب البعض إلى القول بأن الشقيقة قطر حريصة جداً على بقاء حركة الحوثي بقدرتها وقوتها دون إيصالها إلى مرحلة الضعف والهوان، كما يزعم البعض أن حرص قطر هذا يأتي لجملة من العوامل والأسباب أهمها كما يقال ـ والعهدة على الراوي ـ بقاء حركة التمرد الحوثي في تكوينها ووضعها الحالي يجعلها ورقة ضغط رابحة لأكثر من طرف إقليمي ودولي، تبدأ من قطر ولا تنتهي عند حدود طهران أو واشنطن لترفع في وجه المملكة العربية السعودية أولاً واليمن كذلك.
قد يتساءل البعض أيضاً لماذا قطر وأميرها حمد يقبلان أن يلعبا مثل هذا الدور، فالرياض وصنعاء والدوحة، يعتبر شعوب دول هذه العواصم أشقاء، وكذلك هم زعماء هذه الدول أيضاً يطلق عليهم نفس التسمية والوصف ـ كما نسمع في الأخبار ـ ويتواصلون دائماً لمناقشة العلاقات المطردة في النماء بين البلدان الشقيقة.
أمام هذا التساؤل يهرع أولئك البعض الذين يشككون في جهود الدبلوماسي "سيف البوعينين" ـ رئيس اللجنة القطرية المشرفة على تنفيذ الاتفاق ـ إلى التأكيد بوجود عداء تاريخي حديث بين النظام القطري وشقيقه النظام السعودي، حيث يختلج في صدر أمير دولة قطر الشقيقة طبعاً شعور بأن الأشقاء في المملكة كانوا يرتبون لإعادة الأمير خليفة آل ثاني إلى سدة الحكم بعد الانقلاب الأبيض الذي نفذه الأمير حمد على والده في يونيو 1995م.
إلا أن ذلك لم يتم بفضل الله ثم بفضل بعض الأشقاء أيضاً ليستمر نجاح الانقلاب الأبيض، ليس بفضل البيت الأبيض طبعاً.. ويزيد أولئك البعض على ذلك التأكيد بأن قطر قبلت أن تكون ذراعاً لأميركا وإيران في هذه القضية من باب تصفية حساباتها مع المملكة من جهة، وكذا حرصاً منها على أن تكون دولة ذات شأن في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يؤمن ـ من وضعوا نواميسه ـ بضرورة تحويل الدول العربية والإسلامية إلى كنتونات صغيرة ـ متحابة، متآلفة يشد بعضها بعضاً حتى "تتمزق" إلى أشلاء.
أما ما يخص مصلحة إيران وأميركا في بقاء حركة التمرد كخميرة وكذا بقاء الحدود اليمنية ـ السعودية في حالة توتر دائم، فذاك أمر لا يختلف عليه اثنان، وإن وجد خلاف فبسيط، فكلا الدولتين لهما أطماعهما وخططهما الاستراتيجية الاستعمارية في ظل غياب المشروع العربي وعجز واستبداد الأنظمة العربية التي وفرت الأرضية الخصبة لتغلغل المشروع الفارسي والصهيوأميركي.
ويزعم البعض أن جهود وساطة "البوعينين" القطرية يلفها الغموض والريبة، سيما ما يخص البند أو الشرط السادس المتعلق بالأشقاء في المملكة.. إلا أني أستبعد ذلك، لأن الأشقاء في قطر يدركون أن أي توتر على حدود شقيقتهم المملكة قد يدفع السعودية إلى دعوة درع الجزيرة ـ كي تؤمن حدودها، وهذا الدرع عبارة عن قوة عسكرية شكلت من دول مجلس التعاون الخليجي سنة 1984م، قوامها خمسة آلاف جندي وتضم في قوتها كتيبة عسكرية قطرية شهد لها بالاستبسال في معركة الخفجي.
وبتوضيح أكثر فإن فشل الوساطة القطرية لا سمح الله وعودة التوتر في مناطق صعدة الحدودية بالذات ـ سيحتم على الأشقاء في قطر مناصرة أشقائهم في المملكة من خلال درع الجزيرة والاستبسال في كل من جبلي "الدخان والرميح" الحدوديين، ضد ثلة من المتمردين باعوا أنفسهم للشيطان الأكبر والأصغر، وبهذه المعادلة فإن الأشقاء في قطر حريصون جداً على استقرار الأوضاع في صعدة على الأقل، كي لا يضطروا إلى إرسال كتيبتهم بدلاً عن لجنة الوساطة.
??
إبراهيم مجاهد
الوساطة القطرية ودرع الجزيرة 2473