لا يوجد على وجه الأرض مخلوق له قلب يقرر أن يبتعد ولو قليلاً لمدة وجيزة عن أحبابه ويكون سعيداً ، فالبعد عادة ما يكون لأسباب عديدة ومختلفة حسب الظروف التي يعايشها هذا المخلوق ، ولعل الإنسان هو أكرم المخلوقات حين جعل الله له قلبا وعقلا وإحساساً وشعوراً لا يقاس بأي شيء وجعل له شيء اسمه الحب .
فالحب يتجلى في عيون كل عاشق حسب اتجاهه ولعل حب الله هو الحب الأسمى والحب الأزلي الخالد مدى الزمان في قلوب المسلمين المستسلمين لأمره وعظمته وقدره ، وقد جعل الله المودة بين الزوجين وجعل المودة بين الأخوين في الله وجعل المودة بين الأصدقاء فهم اجتمعوا على محبته وافترقوا عليها .
ومن المؤكد أن للحب درجات، فهناك حب أبوي وهناك حب وطني وهناك حب عاطفي ولكن أحياناً من الغرابة انك تحب أناس لا تراهم ولم تلتقي بهم قط في حياتك ، حيث تكون الكلمة هي وسيلة الاتصال التي كانت سببا في وجود ونشأة هذا الحب سواءً كانت مكتوبة أو مسموعة أو مقروءة ، فأحيانا تحب الخطيب فلان لفصاحته والشاعر فلان لبلاغته والفيلسوف فلان لحكمته وبين تعدد أوجه الحب ودرجاته لا تستغرب أنك فجأة اكتشفت انك تحب أناساً ولا تعرف عددهم وقد يفوقون توقعاتك وأحياناً أخرى تكتشف أناس يحبونك وأنت لا تعرف عنهم شيئا .
قبل عدة أيام أو بالتحديد نصف شهر من الآن قررت أن أتوقف قليلا عن الكتابة هنا ولعل السبب المنطقي عند البعض هو أن مزاج وهاجس الكتابة يعايش أحياناً فترة من الخمول ولكن قد يكون السبب عائد لشخصية الكاتب فتتساءل هل هناك من يقرأ ما أكتبه أم أنها مجرد أخبار لا تتجاوز أعمارها مدة 24 ساعة حتى صدور العدد الثاني والمقال الثاني وأحيانا تقول ما فائدة الكتابة ولا أجد صدى لما اكتبه ، بل وماذا استفدت أنا ككيان كانسان كشخص يحاول أن يعيش على وجه الكرة الأرضية بكرامته التي منحه الله تعالى إياها وليس بهبة شخصية من مخلوق.
نعم يجد الفرد منا أحياناً نفسه في خضم تساؤلات هو لا يعرف إجابتها ، وتكثر في عقله الهموم وتطول مسافات الغاية التي حاول في يوم ما البحث عنها من أجل أن يبدأ طريقه في الوصول إليها ، وينصدم بواقع بائس يزداد مرارة كلما حاولت أن تصلحه قليلا ، بل وتعود أحياناً تلك المفردات على أصحابها بالوبال وأنت تعتقد انك على الطريق الصحيح أو انك تحاول أن تكون عليه ، فلا تجد إلا أن تبتعد وان كان هذا البعد يسلب فرحة الروح بكل من حاولت ان تنشر البسمة في أفواههم وان لم يتعدوا أصابع اليد الواحدة أو حتى لشخص واحد دون عينه ، فتحظى بقليل من الهدوء النفسي ولكن يحدث ما لم يكن متوقعاً، فتجد الأصدقاء يسألون عن سبب توقفك وتجد الأحبة تستغرب وتخشى أن يكون قد أصابك مكروه مرض أو أي ظرف طارئ وتجد من أحببتهم ومن أحبوك عبر هذه الكلمة يتساءلون عنك بشوق وكأنك أصبحت تمثلا شيئا في هذه الحياة وتجد حقيقة ما بدأت البحث عنه وهو الهدف الذي تنوي البحث عنه من أجل أن تبدأ مسيرة الوصول إليه ويا للعجب تجد نفسك قد حققت هذا الهدف وأنت لم تعي بعد أو ربما كان هذا الهدف غائب عن فكرك ولم تتنبه له إلا حينها ومن جديد تبدأ مسيرة البحث عن ضالتك ، وكأنك قد اكتسبت من فترة النقاهة والاستجمام الفكري دافع جديد يحثك دوما على المضي قدما نحو أهداف الحياة وبالطبع هي لا تنتهي وليس من المعقول أن تجد شخصاً يقول لك أنا حققت أهدافي كاملة ، فلكل فترة زمنية ومرحلة عمرية وظرف مكان وزمان هدف وغاية لتحقيقها ، ومن الجميل ان تجد أشخاصاً لهم مكانة عالية في قلبك تحيطونك باهتمامهم ومتابعتهم ويسالون عنك ويحاولون أن يوضحوا لك الأمور على حقيقتها وتدرك بالفعل انك لم تعد عالة على الحياة التي تعيشها بل أصبحت شخصاً له وجوده ولو من خلال الكلمة .
عبارات الشكر لا تفي كل الأحبة وكل من سأل عني في غيابي ، ولمحبوبة القراء الصحيفة الأولى من وجهة نظر الكثيرين من القراء والمهتمين (أخبار اليوم ) ـ كل العرفان وأخص معلمي القدير وأستاذي الغالي هاني احمد علي المحويتي والذي عودني كثيراً على الصراحة ويقوم بتوجيهي بين الفينة والأخرى إن كان هناك ما يحتاج للتوجيه ، فأسعد كثيرا بأنني أمثل شيئا يستحق الأهمية عند بعض الأشخاص ، واسعد أكثر حين أجد أن لي كثير من القراء والمتابعين من يستحقون أن اخصص لهم كل حروفي هذا اليوم وكل يوم من اجلهم ولا تفيهم كل عبارات الثناء والشكر والتقدير لأنني اكتشفت حقيقة هذا الحب في وقت كنت فيه حقاً أبحث ولو عن الشيء القليل من هذا الكائن الغير محسوس واسمه الحب.
مرسى القلم :
يناديني وليف الروح واقلِّه ياحبيبي سَمْ
تدلل آمر وتغلا مدام إني أحبّك موت
أحبك كثر ما قالوا عواذلنا وشاة النَمْ
عدد أنفاس أنفاسي وزادي مشربي والقوت
تبسم اضحك وخلّي فؤادك ما يذوق الهَمْ
وتفضل من صميم القلب عشق ٍ ماطراه الفوت
جمالك فتنة الرحمان يا رايق خفيف الدَّمْ
أبد ما شفت في حسنك بأرض الهند أو بيروت .
a.mo.h@hotmai
على محمد الحزمي
حينما تقرر الابتعاد قليلاً 2280