في مكان ما على ظهر هذا الكوكب كان هناك ملك، وكان لهذا الملك ((فيل)) عظيم الحجم، يسرح ويمرح في مزارع الرعية، يأكل مما يريد، وينتـقي أحسن الأغصان وأغدق الأشجار ولا فرق عنده إن كانت الشجرة مثمرة أو سواها، ومن أي حقل كان من حقول الرعية.. يلوث طرقات الناس ويملؤها بالبول والروث.. يهدم السواقي في طريقه ويدوس على الشتلات والشجيرات ويفزع الأطفال ويهلك الزرع ويفزع الحيوانات والمواشي المستأنسة.. ولأنه فـيل الملك فلا أحد يجرؤ على منعه أو إخراجه من حقله أو مزرعته، وكلما رفع أحد الرعية صوته بالشكوى جاءه العسس (الشرطة) فاقتادوه إلى المخفر وغرموه وأخذوا عليه تعهداً بعدم التعرض لفيل الملك مرة أخرى..
الفيل يأكل الزرع بمجرد اخضراره، و(برك) الفلاحين المخصصة للسقي يدخل فيها يلوثها ويخرب بنيانها، ولما ضاق الناس به ذرعاً دون أن يجدوا من ينصفهم ويبعده عن مزارعهم، قرروا بعد تشاور بينهم أن يرفعوا شكواهم إلى الملك مباشرة.. فقد كانت له بعض المناسبات الوطنية التي يلتقي فيها مع الرعية وجها لوجه في مكان عام، فخططوا على أن يقوم احدهم ويصرخ أمام الملك بأعلى صوته قائلا: (الفيل يا ملك الزمان) فيقولون جميعا بعده وبصوت واحد: أخرب حقولنا وممتلكاتنا ونطالب بإبعاده عن مزارعنا وأرزاقنا، حتى لا يستطيع العسس أن يقبضوا عليهم جميعا.. فالصوت الجماعي سيوصل رسالتهم إلى الملك وسيحميهم من بطش العسس ودسائس الحجاب، وفي الموعد المحدد للمناسبة المنتظرة وبينما الملك جالساً على كرسيه أمام الجموع قام رجل فجأة من بين الحضور وصرخ بأعلى صوته قائلا: (الفيل يا ملك الزمان) وصمت ولكن لم يردد أحد بعده ما كان متفق عليه!! فانتبه الملك للرجل، فردد الرجل بصوته مرة أخرى (الفيل يا ملك الزمان) ولكنه لم يسمع أي صوت للرعية خلفه، فكررها ثلاثا ولم ينفذ احد ما تم الاتفاق عليه..
وهنا صاح الملك قائلا: ماذا جرى للـفـيـل يا رجل.. تكلم ماذا به الفيل؟؟ وتحرك العسس صوب الرجل للقبض عليه، وعندما رأى نفسه أنه سيتورط بسبب خذلان الرعية وجبنهم قال الرجل: الفيل يا ملك الزمان يعيش وحيداً في هذه المدينة ويعاني من الاكتئاب والوحدة ونريد أن تأتي له بفيل أنثى بجانبه تؤنس وحدته وتشاركه الرعي واللعب وتدخل على قلبه السرور ويعطونا المزيد من الأفيال.
هذا هو مصير الشعوب التي تسكت عن الحق أو تخاف أن تطالب به أو تؤازر من يتكلم باسمها، والتاريخ حافل بمثل هذه المواقف الدرامية، وليس المناضلون من أجل أوطانهم وحدهم من يتعرضون لمثل هذا الخذلان، فقد تعرض قبلهم سيد الخلق وأكرمهم الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام للأذى برميه بالحجارة حتى دميت قدميه الشريفتين يوم ((الطائف)) - ليتـني كنت فداء عنهما- وهو يدعو الناس إلى الخير وما ينفعهم.. والأنبياء منصورون بوعد الله لهم.. لكن هناك شعب في مكان ما، من هذا العالم يعيش تحت سنابك (الحصان) الشديدة الوطأة عليه، يئن و يصرخ يوميا ويجأر بالشكوى قائلا (الحصان) أهلك الحرث والزرع وعاث في الأرض الفساد ونطالب بعدالة توزيع العلف بيننا وبينه، ولكن لا مجيب حتى الآن ويبدو أنه لا أمل يرجى.. لذلك نقول للحصان (لو دامت لغيرك ما وصلت إليك) والعود عندما يشارف على الانطفاء يزداد دخانه وهذا ما نراه اليوم واضحا جليا، واللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين.
آخر السطور :
ما تعرضت له الطالبة/ حنان محمد أحمد السماوي من ترويع واقتحام منزلها دون وجود أي من أقاربها وتشويه سمعتها بسبب (مسرحية الطرود المفخخة) الأمريكية تأليفا وإخراجا وتنفيذا، يجب إعادة الاعتبار لهذه الأسرة الكريمة التي روعت، ولا ندري كيف فات رجال الأمن: أن من يرتكب جريمة بهذا الحجم فإنه من الغباء أن يترك اسمه الحقيقي ورقم هاتفه على الجريمة، وكان يمكن إحضار الفتاة بطريقة أكثر آدمية وبدون ضجة إعلامية وشوشرة، فلم يكن هناك أي داع لكل تلك القوة العسكرية التي استخدمت ولا الطريقة التي نفذت بها العملية، حتى لا يصدق فينا قول شاعر اليمن العظيم ((البردوني)):
حكامنا إن تصدوا للحمى اقـتحموا
وان تصدى له المستعـمر انسحـبـوا
الحاكمون وواشنطن حكومتهم
واللامعين وما شعـّـوا وما غربوا
فمتى نتحضر في التعامل مع مواطنينا ومتى نحفظ للناس كرامتهم وآدميتهم ؟؟ وصدق المصطفى عليه الصلاة والسلام حين قال (من أفزع مؤمنا فكأنما قتله).. وما حدث لهذه الأسرة هو في ذمة ولي الأمر شخصيا وعليه التوجيه برد الاعتبار العلني لهذه الأسرة المكلومة في سمعتها وذلك أدنى حقوقها عليه، وأنا أراهن أن الأخ الرئيس سيفعل ذلك ولا أظنه سيجعلني أكسب الرهان.