منذ نعومة أظافرنا يتردد على أسماعنا طوال الوقت حب الوطن من الإيمان والواجب حب الوطن وضرورة الانتماء إليه .
هكذا على مختلف عمرنا، نحن المواطنون مطالبون أن نحب الوطن وأرضه بل ونعشق تراب الوطن وعلى مر الأزمنة والعصور، مطالبون نحن المواطنون بأن ننتمي إلى تاريخ الوطن وتقاليده وأن نفدي الوطن ونحميه بأرواحنا .
طبعاً هذا شيء مؤكد وكلام معقول لا يختلف عليه أثنان ولا يشكك فيه أي مواطن أو يعترض عليه .
ولكن الشيء أو الإشكالية التي تؤرقنا وربما أيضاً تؤرق غيري من المواطنين هي أننا لا نلمس أو نسمع عن مدى حب الوطن وانتمائه لنا ، فكل أشكال الحب وجميع روابط الانتماء تستلزم الطرفين الأخذ والعطاء وبدونهم تفشل وتتصعب علاقة الحب والانتماء وغالباً بسبب عدم وجود التبادل العادل بين طرفي العلاقة ، فمثلاًطرف طوال عمره يضحي بكل ما يملك من أجل البناء والتنمية والدفاع عن الوطن والطرف الآخر على طول الخط وهو الذي دائماً يستقبل الحب والانتماء والعطاء والتضحية أي بمعنى آخر طرف يتعب ويشقى وطرف آخر في راحة دائمة مسترخياً .
هذا ما نلاحظه في علاقتنا بالوطن كمواطنين فنحن الطرف الذي يتعب ويشقى وأن الوطن هو الطرف الآخر المستقبل دائماً لعطاءاتنا .
ما نستغرب له في علاقتنا بالوطن كمواطنين أننا دائماً نُطالب بالحب والانتماء للوطن وبالوطنية ! فأين حب وانتماء الوطن لنا .. أين وطنيته لنا فهذا هو الشرط الأساسي لكي تصبح العلاقة عادلة علاقة سوية متينة لا يقدر على هدمها أو تشويهها أو تخريبها أي عنصر من العناصر المشبوهة أو الإرهابية أو المتآمرة الضعيفة .
عندما نتحدث عن ضرورة تفعيل جميع حقوق الإنسان والذي هو المواطن ، فتوفير وترسيخ وإرساء كل هذه الحقوق الإنسانية للمواطنين هي بالتحديد المعنى الذي يدور حوله حب الوطن وانتمائه بالنسبة لنا ؟!
أليس العمل من أجل إقامة الحوار الشامل بين مختلف الأحزاب بما فيها الحاكم والمنظمات المدنية والنقابات وغيرها من أجل الوصول إلى نتائج تثمر عملية لمعالجات وإصلاحات الوطن وهذا ما ينادي به المواطنون الآن كمحاولة لإحداث التوازن في العلاقة بينهم وبين الوطن ؟!
إنها ليست من الغرابة أو الصدفة عندما يقال "الوطن الأم" لأن الأم هي التي تحس بأوجاعنا قبل أن نحس بها وقبل أن نعبر عنها ، فعلى الوطن أن يكون كالأم يعمل على راحة وسعادة مواطنيه ، فالمواطن إذا كان وطنياً ستكون مهمته الأساسية وشغله الشاغل كيف يرفع محل أنواع المعاناة والقهر والظلم والتفرقة والكبت والشقاء الذي يتعرض له المواطن.
فالوطن إذا كان وطنياً لا بد أن يكون عنصراً جذاب لكل المواطنين حيث يتفنن في تقديم كل أنواع الدعم المادي والمعنوي التي تحبب المواطنين في التواصل واستمرار الإقامة والبقاء على أرضه ليكون وطناً حراً، فالوطن الحر لا يبنيه إلا مواطنين أحرار ، كما أن الوطن القوي المنتصر لا يبنيه إلا الأقوياء الشامخين للهامات ..
نبيل مصطفى الدفعي
الوطن القوي لا يبنيه إلا أبناؤه 1496