;

إحذروا يا سادة.. تفكيك مصر قائم وقادم 1537

2010-07-13 07:37:40

السفير/
إبراهيم يسري


عندما استعرض بشيء من الإحباط
إخفاقات الرموز والنخب في العقود القليلة الماضية في تحقيق إصلاح سياسي مقبول يوقف
النهج الشمولي وما سببه من تدهور مريع في كافة المجالات في مصر، رغم علو ضجيجها
وتواصل فعالياتها، وألاحظ أن النظام بقي قائماً ومسيطراً رغم كل فعاليات القوى
المعارضة والسخط الشديد الذي يكمن في صدر كل مواطن. . يلح على خاطري ما قاله جرير
للفرزدق
في خضم
المنازعة الشعرية المحتدمة بينهما. . زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا/ ابشر بطول سلامة يا
مربع.

ولا يصدر كلامي هذا عن يأس من الخروج من هذا الوضع الخطير، بل على
العكس من ذلك تماماً أثق في قدرات هذا الشعب العريق بقيادة المخلصين الواعين من
رموزه وأحزابه على انتزاع مصيره من بين فكي الفساد السياسي والاقتصادي الذي أطبق
على كل مقدراتنا وشل حركتنا نحو استعادة مكاننا بين الدول المتحضرة.
ودعونا نقر
عدم نجاح محاولات الأحزاب والرموز والنخب في استقطاب الجماهير وتعريفها بحقوقها، في
الوقت الذي تعاني فيه الجماهير من سلبياتها وقدرتها، واستسلامها لقيم عفا عليها
الزمن مثل طاعة الحاكم مهما بلغ استبداده، والصبر وقبول الابتلاء تعبدا.
لله
وطريقاً لدخول الجنة في الدار الآخرة وهو ما سنعرض له لاحقاً بشيء من التفصيل، ولكن
قبل التطرق لظواهر الأزمة نجد أنه من الضروري أن نرد الأمور إلى أصولها، فكل
أزماتنا تنبع من كليات تعصف بنا وأهمها سمات التخلف التي تتبلور في عدة أعراض
أهمها: القصور الشديد في تفهم الحاكم والمحكوم لأهمية الحرية والديمقراطية لوضع أي
دولة على طريق التقدم والرفاهية، والقضاء على الفساد والاستغلال، يترتب على ذلك أن
مقاليد السلطة تغدو مغتصبة وليست مكتسبة، وهذا يولد عند أصحاب السلطة شعوراً
بالتسيد على المحكومين وعدم وضع إرادتهم ولا مصالحهم في الاعتبار، ومن هنا يصبح ما
نص عليه الدستور على أن السيادة للشعب وحده لغواً لا وجود له.
وهذا بدوره يغري
السلطة التنفيذية بالتغول على اختصاص السلطتين التشريعية والقضائية، وبذلك تنعدم
تماماً سيادة القانون، وتخضع أمور الشعب لرؤى أصحاب السلطة وتتولد لديهم قناعات
زائفة بأنهم هم وحدهم الحريصون على مصالح الشعب وأنهم أوصياء عليه بدلاً من أن يكون
سيدهم الذي يختارهم ويقيلهم.
ينعكس هذا على كل مرافق وإدارات الدولة، فيكون
الوزير أو المدير متجبراً متعالياً مغروراً مستقوياً بسلطته باعتباره صاحب السلطة
الأعلى والوحيدة التي سقطت عليه خارج كل معايير المشروعية، فأصبح كل صاحب سلطة يشعر
بأنه من كوكب آخر وأن سلطته وإرادته هي العليا.
وفي الوقت ذاته أسفر الحكم
الشمولي عن حبس القيادات السياسية والنخب داخل مقراتها عن القواعد الجماهيرية
العريضة فانغلقت على نفسها وتاهت في خلافات وصراعات جانبية، مما أحست معه الجماهير
بأنها بلا قيادة، بل غاب عنها أنها أحق بالسلطة والسيادة وتسري بينها مشاعر الإحباط
وأحيانا اليأس وأصبحت أكثر تقبلاً لأطروحات الآلة الإعلامية للسلطة.
غير أن ما
يبعث على الأمل ويمهد الطريق إلى الإصلاح السياسي هو أن مشاعر الإحباط واليأس في
الشارع بدأت تنقشع في خضم حراك سياسي بدأ من القاعدة للقمة عندما كسر شباب كفاية و6
أبريل حاجز الخوف من القمع السلطوي ونظموا مظاهرات منتقدة للسلطة.
كذلك ساعدت
الشبكة العنكبوتية على تواصل شباب اليوم دون وصي ولا وسيط، فبلغ عدد المشاركين في
المجموعات على الفيس بوك وتويتر ما يقارب 70 ألفاً من المعارضين لصفقة تصدير الغاز
وتخطى عدد المتعاطفين مع خالد سعيد 160 ألف مواطن في أيام قليلة وتمت ترجمة تلك
الصحوة الجماهيرية في مظاهرة الإسكندرية حيث قارب عدد المشاركين فيها احتجاجاً على
جريمة القتل عشرة آلاف مواطن مع عدد من الرموز، وتمثل هذه الصحوة تحذيراً لا تخطئه
العين للسلطة والنخب والقيادات على السواء بأن مصر مقبلة على مخاض سياسي لا ندري
كنهه ولا نعرف أبعاده، ولكن من السذاجة التعويل على مجموعات الفيس بوك وغيرها،
وأسلوب جمع التوقيعات والتوكيلات، واستنفار جماعات المصريين في الخارج لا يصلح وحده
للضغط على النظم الشمولية مثل نظامنا، على عكس الحال في الدول
الديمقراطية.
ولكنا نعود إلى استعراض التطورات الأخيرة على الساحة المصرية فنقول
إنه خلال ثلاثة عقود على الأقل فشل على مداها هذا النظام فشلاً ذريعاً وقاتلاً في
التنمية البشرية والسياسية والاقتصادية، ترتب عليه ما نشهده جميعاً من تفكك خطير
وتخريب مدمر لكل مرافق الدولة دون استثناء.
وذات الوقت تتوالى تجاوزات السلطة
التنفيذية بواسطة ذراعها القمعية، فيأتي مقتل الشاب السكندري خالد سعيد على يد
أفراد في قسم شرطة سيدي جابر في وضح النهار، الأمر الذي كشف عن فضيحة بشعة وبرهن
على تواصل ظاهرة جرائم القتل والتعذيب للمواطنين بعيداً عن أي ضمانات أو إجراءات
قانونية، وكان جديداً ما فوجئت به الشرطة من ردود فعل غاضبة وعنيفة خرجت عن كل
توقعاتها وفشلت في تغطيتها، حيث تضامنت كل القوى الوطنية ومنظمات حقوق الإنسان في
الداخل والخارج ومجموعات الفيس بوك وغيرها في الاحتجاج على هذه الجريمة التي نسبتها
تلقائياً لجهاز الشرطة رغم محاولتها إنكار ذلك وتشويه صورة المواطن القتيل، وأصبح
التعذيب وانتهاك كرامة الإنسان في أقسام الشرطة ظاهرة خطيرة إن لم نستطع أن
نواجهها، لتكرر الأمر مثلما حدث مؤخراً في حادث تعذيب الشاب/ محمد صلاح سائق
(التكتك) في دكرنس، والبقية تأتي.
والظاهرة الثالثة التي لصقت بالنظام هي تعاصر
ما سبق مع رائحة الفساد الكريهة التي زكمت الأنوف وتجلت آخر فعالياتها في عقد بيع
جزيرة آمون لشركة يمتلكها وزيران في السلطة والتي أمر رئيس الدولة بإلغائه، وتبع
ذلك مباشرة الحكم الذي صدر ببطلان عقد بيع أرض مدينتي لمجموعة طلعت مصطفى التي
أبرمها وزير الإسكان السابق بالأمر المباشر، ولحقت بذلك الصفقة التي وقع عليها وزير
في السلطة التي منح فيها قريباً له عقداً بمليون متر في القاهرة الجديدة والتي تقدر
قيمتها ب5 مليارات جنيه مقابل 241 مليون جنيه فقط تسدد على أقساط بقروض من البنوك
التي تدفعها من أموال المودعين على أقساط.
والملاحظة الرابعة التي تعاصرت مع هذه
السلبيات في الفترة القصيرة الماضية هي ما كشف عنه التقرير الصادم للتنمية البشرية
الذي أعده معهد التخطيط القومي بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأممِ المتحدة، الذي
أوضح أن 35 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر والفقر المدقع، وأن الفقر أصبح السمة
المميزة لمن يعيشون في الريف، وأن 43 بالمائة من الفقراء يتركزون في الصعيد، وأن
فقراء مصر يتزايدون رغم ادعاءات الحكومة بمحاربة الفقر، وحوى التقرير بيانات مذهلة
عن الحجم الهائل للتدهور الذي ضرب أطنابه في كل مرافق البلاد ومن ذلك أن الدين
الخارجي والداخلي قد وصل إلى أرقام مليارية مقلقة.
ولم يقف التدهور إلى هذا
الحد، وإنما وصل الأمر إلى ما دفع المحافل الدولية إلى اعتبار مصر من فصيل الدول
الفاشلة، والدول الأكثر فساداً والأكثر بعداً عن الشفافية وهو دليل ظاهر على تخبط
وفشل النظام في إحراز تقدم ملموس في الإصلاح السياسي أو التنمية الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية.
وفي هذه الظروف الخطيرة نشهد مع الأسف الشديد انفراط عقد
الأحزاب والقوى السياسية وتشرذمها فليس بعيداً ما قام به بعضها من الهرولة من كيان
إلى كيان آخر في تسرع غير محسوب رغم وحدة الهدف بلا مبرر مقبول، كما لجأ بعضها إلى
عقد صفقات مع النظام على عكس ما سبق الاتفاق عليه بينها، متجاهلة أن الساحة
السياسية والشعبية المصرية تسودها قناعة واضحة بعدم جدوى المشاركة في انتخابات مجلس
الشعب القادمة خاصة بعد أن أسفر النظام عن استمراره في تعويق حرية العملية
الانتخابية، إلا انه ويا للعجب يحرص أحد الأحزاب الهامة على خوض الانتخابات،
والأكثر من ذلك هو وصف مقاطعتها بالخيانة، ولا ندري هنا من هو الخائن للشعب،هذا
بينما يتحفظ فصيل أكثر أهمية وأوسع جماهيرية في تحديد موقفه، وتستند بعض القيادات
السياسة في ذلك الحرص إلى أن المقاطعة يجب أن تكون شاملة وجماعية وإلا فإنها ستفشل
في تحقيق أهدافها في الضغط على النظام.
وفي ظني أن هذا منطق معكوس وغير مقبول
على ضوء خطورة المحنة التي تلم بالبلاد وتكاد تهبط بها إلى القاع.
مما يستوجب
سرعة التحرك وفاعلية العمل، لأن هذا التدهور قد بدأ يدمر كل القيم الدينية
والاجتماعية العريقة في بلادنا، كما أن المجتمع المصري قد قارب على الانهيار بعد أن
أصابه السوس والعفن، وأعتقد جازماً أن الأمر يحتاج لعلاج سريع لإنقاذ ما يمكن
إنقاذه، ومن ثم فإن منطق الإصلاح المتدرج وسياسة التربيطات مع النظام ينطوي على
خطورة كبيرة لأننا مطالبون بالعمل السريع في وضع نجد فيه أنفسنا، مهددين بخطر جامح
هو الانقراض وربما الزوال تتراجع فيه مصر إلى دولة ضعيفة وفقيرة وفاشلة ومتصحرة
وعطشى، فضلاً عن فقرها واختلال قيمها وتقاليدها المجتمعية والدينية، ناهيك عن فشل
خطط التنمية السياسية والاقتصادية في مصر.
وعليه فقد جاء وقت الجد فعلى كل القوى
الوطنية التي تحرص على تقدم مصر ورفاهية شعبها أن تؤجل ترف الخلافات الأيديولوجية
والشخصية الذي لا نملكه في معركة التحرير الوطني التعاون مع النظام بأي صورة وعقد
صفقات معه أمر لا يقره الوجدان الوطني ولا مصلحة البلاد.
ومن هنا فإن النخب
والرموز لا بد أن تقلع عن الحوار العبثي الذي يطرح أسباباً وبدائل لخوض الانتخابات
المزورة سلفاً، وأن نجمع على مقاطعتها ناخبين ومرشحين بمقتضى حقوقنا الدستورية
والقانونية وأن نواصل الضغط الشعبي الكثيف على النظام في إطار المشروعية.
وفي
يقيني أن من يخرج عن هذا الإجماع الوطني يكون واهماً أو غافلاً عن حقائق الأمور أو
عاقداً لصفقات مع النظام تحقيقاً لمصالح ذاتية أو حزبية ضيقة.
والسؤال الآن موجه
للنخب التي ما زالت حبيسة تكتيكات وتربيطات قديمة، هل ترضون على محاولات تفكيك مصر؟
ثم ماذا أنتم فاعلون لتحمل مسؤولياتكم الوطنية في هذه الفترة العصيبة والخطيرة
لمواجهة هذا المصير البائس الذي تنحدر إليه البلاد؟.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد