;

وقفة إنسانية مع المرضى العقليين 1610

2010-06-10 04:05:08

فتحية
سروري


أملي أن أعطي موضوعي هذا حقه لما له
من أهمية تتصل بواقعنا النفسي الاجتماعي وأيضاً الاقتصادي، إذ أنه ينبغي الخوض فيه
كملاحظات، لأن علاجه ممكن عن طريق استئصال الأسباب والدوافع المؤدية لهذه
الحالات.

الملاحظة الأولى: أدركت منذ الوهلة الأولى وأنا أدرس تخصص علم النفس
أن المرض النفسي الحاد والعقلي من أشد العوامل قسوة وعنفاً في انتزاع سعادة الإنسان
وتدميره بل ورفاهية وأمن المحيطين به، لأن الأسرة التي يعاني أحد أفرادها من المرض
العقلي تعاني
كلها من البؤس والتعاسة، ذلك فالأخصائي تجاه المريض سوف يعيش
عوائق كثيرة منها تزمت المريض في طرح الحقائق وسرد تاريخه المرضي أو نكران مرضه
وكراهيته للحياة وسبب انطوائيته، مما يصعب على الأخصائي فهمه لكن مع تكرار التحليل
النفسي والجلسات التدعيمية لم تعد هذه المسائل تشكل أي صعوبة في علاج الحالة فتبقى
هناك شفرة..
وهي أساس ملاحظاتي..
إذ أنه بعد استعادة المريض تدريجياً للشفاء
تبقى النظرة الاجتماعية وصمة عار تلاحق المريض بالعيون والإشارة فما يشعره بالنقص
مما يؤدي بالمسكين إلى الانتكاسة والمرض من جديد، فلو حل أي واحد منهم ذلك المرض
لاستشعر بكل عدل وإنصاف حجم المأساة في نفسه.
الملاحظة الثانية: قبل أن أعمل
كأخصائية نفسية في مستشفى بلادي، كنا نعمل في فترة البحوث والتطبيق في مستشفى
الأمراض النفسية والعصبية في مصر، منطقة العباسية، استعداداً للتخرج، وللعلم فإن
المريض العقلي هناك أو هنا أو في أي بلد كان من بلدان العالم يمر بأعراض الفصام حيث
تنفصم شخصيته فيأتي بسلوك غير طبيعي، منسحباً عن الواقع الحقيقي، فإذا به يضحك
ويكلم نفسه ويرى خيالات وصوراً يقهقه لها وينظر بسذاجة إلى هناك وهناك دون معنى،وقد
تشتد به الحالة فإذا به يتربع على عرش جنون العظمة فيرى نفسه الملك العظيم الذي
يخترق المعجزات ويدير أرقام الأجهزة والرادار، وهنك حالة تداهمه فإذا بالآخرين
يضطهدونه ويتجسسون عليه ويضعون له السم في الطعام وتزداد شكواه بالآخرين وبمن
حوله.
وحكايات الجنون لا تنتهي، يتأملها الفرد وتتناقلها الألسن باندهاش، لكن
كلمة مجنون تثير الرعب في نفس الإنسان، وهذه الكلمة موجودة في أغلب بلدان العالم
عبر التاريخ، ونرفض نحن الدارسين أن نقولها وكذلك يرفض قاموس الطب النفسي الاعتراف
بها، على أنه يجب أن يعامل كمريض عقلي مرضه يحتاج إلى علاج أسوة بمرض القلب أو
المعدة أو أي مرض آخر لتكوين استجابة طبيعية عند الأخذ للعلاج بانتظام.
الملاحظة
الثالثة: نبتهل إلى الله وندعوه أن يحفظ للإنسان إنسانيته وعقله، ويجنبه شر الإصابة
بهذا المرض، فالعقل أعظم نعمة لا توازيها كنوز الدنيا، والإنسان لوحده وحدة متكاملة
وثروة في وطنه وبالنسبة لهذا المرض فإنه يأتي نتيجة خلل في القشرة المخية التي تصاب
بإلتهاب في الخلايا المخية في حال تداهم الفرد أي أزمة حادة وكان استعداد الفرد لها
ضعيفاً لا يتحملها فينهار بسهوله، وهناك عاملان آخران كالوراثة المنحدرة من أحد
أجداده أو أفراد شجرة العائلة المصابين قديماً بهذا المرض العقلي، أو أن هناك
هرمونات كيميائية داخل كائن الإنسان لا تسير بصورة منتظمة، فأي خلل في تسيير
الهرمون يؤثر في إفرازات غدد الإنسان، فزيادة الهرمون يزيد في نشاط الفرد وقلة
إفرازه يجعله شديد الاكتئاب والحزن، شيئ يفوق التصور، فبعض الأسر تدرك هذه
المعلومات آنفة الذكر فتلجأ إلى زج أبناءها عنوة دون صبر إلى المصحة تخلصاً من
المسؤولية الملقاة على عاتقهما، لكن بعد أن يزجوا بهم يعمدون على إخفائهم من وجودهم
للعلاج في المصحة، وهناك من يزور أبنائهم أو بناتهم في المصحة لكن في المناسبات
البعيدة بعد أن يقدموا الاعتذارات لإدارة المستشفى، وهناك أمر يتوجه الوازع الديني
لدى بعض الأسر لتحتوي ذويها بالتدعيم والمحبة، وهذه الفئة تستحق التقدير، أما
الفئات السابقة المهملة لذويها فأمرها إلى الله!!! لأنها تزيد من معاناة ذويها
أولاً وثانياً يدخل إهمالهم في الأطماع الوراثية من أموال وممتلكات، فهولاء المرضى
العقليون لا حول لهم ولا قوة، والشريعة الإسلامية أولت هذه الطائفة عناية فائقة
عندما وضعت ضوابطها بما معاملتهم ورعاية حقوقهم وميراثهم وأن عليهم إيصالها بأمانة
لا ينقص منا شيئ.
الملاحظة الرابعة: لا توجد لدينا مؤشرات في تقديرات نسبة
المرضى العقليين، لكن في مصر وحدها يوجد أربعة ملايين مريض، وعندنا تقل النسبة
مقارنة بعدد السكان، نرى مابين وقت وآخر مرضى يتجولون في شوارع المدينة، نراهم في
أحياء في المعلا، والتواهي، البريقة، والشيخ عثمان، وخور مكسر، وعدن.
ويعرفون
أنهم مرضى عقليون من هيئاتهم الرثة وشعرهم المليئ بالرمل والغبار، بعضهم يأتون إلى
الأحياء من مناطق نائية.
للشرطة دورها الحيوي الذي يجب أن تلعبه في هذا الجانب
كدور أساسي في تجميعهم والحفاظ عليهم وحماية الآمنين من الناس إذ أنهم، ولأنهم
فاقدو العقل يستطيعون القيام بأي عمل عدواني أو غيره ولا حساب عليهم، فالقلم مرفوع
عن هذه الفئة من الناس وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم، لكن أوجبت
شريعتنا الإسلامية العظيمة الجنة والثواب الجزيل لمن يحسن معاملة هؤلاء ويعتني
بحقوقهم ويرعاهم ويرمهم، فطائفة المرضى العقليون هم من زمرة المساكين لا حول لهم
ولا قوة بل أكثر احتياجاً من الأيتام، لأن اليتيم مرحلة وتنقضي أما هؤلاء فحالتهم
صعبة لصيقة بهم لفترة تطول أو تدوم، وتبتلى هذه الأسرة أو تلك بإعاقة مريضهم
ومعاناتها وهمومها اليومية معه، فعليها بالدعاء والامتنان وألا تقنط من رحمة الله،
فالقائمون على مرضاهم خير قيام يعيشون حالة من الرضاء التام والضمير الهادئ ونفحات
من الاسترخاء والطمأنينة.
ومن منا بمنأى عن البلاء، إذ لا بد الرضاء بقضاء
الله.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد