;

الحرية هدفاً للنضال لا للتأمل ..الحلقة «السادسة» 1265

2010-03-02 08:35:59

صفحه من
كتاب


ارتباط الحق بالشارع لا يكون منفذاً
لاستبداد سلطة ثيوقراطية فليس في الإسلام كهنوت يملك أن يحلل أو يحرم وإنما الذي
يحلل أو يحرم هو الخالق الذي لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية، مما يعطي الحقوق صفة
العدل المطلق ويجند كل مؤمن للدفاع عنها كلما انتهكت سواء كان العدوان موجهاً إليه
شخصياً أو إلى غيره فالظلم واجب رفعه والعدل واجب تحقيقه. .

إن الحديث عن الحريات السياسية في العصور الحديثة
لا يكاد ينفصل عن النظم الديمقراطية، على اعتبار أن الديمقراطية تقدم أفضل آلية أو
جهاز للحكم يمكن المواطنين بإستعماله من ممارسة الحريات الأساسية ومنها الحريات
السياسية أو هي أقل الأنظمة سوءاً. .
إن شكل النظام الديمقراطي يتمثل في إعلان
مبدأ سيادة الشعب وأنه مصدر كل سلطة وهي سيادة يمارسها عبر جملة من التقنيات
الدستورية التي تختلف في جزئياتها بين نظام وآخر وتكاد تتفق على مبادئ المساواة
والإنتخاب وفصل السلطات والتعددية السياسية وحريات التعبير والتجمع وتكوين النقابات
والإقرار للأغلبية بالتقرير والحكم وللأقلية بحق المعارضة من أجل التداول وانتهى
تطورها إلى الإقرار للمواطن بجملة من الضمانات الاجتماعية.
حين تكون الديمقراطية
وليدة التراث الإنساني إن النظام الديمقراطي ليس بناءاً مصطنعاً من طرف منظرين أو
قانونيين أو مفكرين سياسيين، إنه نتيجة تطور تاريخي بعيد المدى استمدت الكثير من
قوانينه من الأنظمة السياسية التي سادت في أوروبا في القرون الوسطى ومن التراث
الحضاري الإنساني وتحولت تدريجياً حتى أصبحت أساساً لنظام جديد مستفيدة من عناصر
قديمة بما يتفق مع منطقها، وكان للتطور العلمي تأثيره في نمو الإنتاج وفي تقدم
وسائل النقل وكذلك كان لاتصال الأوروبيين خلال حروبهم الصليبية مع المسلمين أثراً
في انقلاب البنيان والقيم الاجتماعية، كان النظام الديمقراطي الحر ثمرتها
ديكتاتورية الملوك وغفوة الكنائس: لقد كان لاتصال أوروبا بالعالم الإسلامي وقع
الصدمة النفسية التي ساهمت في إيقاظها من غفوة الإقطاع وغيبوبة الدين الكنسي
ودكتاتورية الملوك الارستقراطيين ولا شك أنه كان للفكر النهوض الريادي في الثورة
على العهد القديم ورموزه ومؤسساته وقيمه وكان طبيعياً لحضارة قد كبلتها سلطة الملوك
الإطلاقيين أن تجعل هدفها تحرير الإنسان من الاستبداد فتعلن المساواة إزاء مؤسسات
الكنيسة والإقطاع وتنادي بالشعب مصدراً للسيادة بديلاً عن سيادة الملك والتعددية
على أنقاض الانفرادية وفصل السلطات لمنع التركيز والاستبداد، إن أهم المبادئ التي
نادت بها الديمقراطية الليبرالية مضموناً لها هي: السيادة الشعبية والانتخاب وفصل
السلطات والحريات العامة "التعبير، الصحافة ، تكوين النقابات، تعددية
الأحزاب. . ".
وهي في جملتها أريد منها تمكين المحكومين من أدوات الضغط بجدية
للوقوف في وجه الحاكمين والتأثير في قراراتهم.
لقد ظلت التحررية والمساواة
والتمثيل والتعددية والتنافس المضامين الأساسية للديمقراطية الغربية حتى الحرب
العالمية الثانية حيث تجمعت جملة من عوامل التطور الاقتصادي والتقني والسياسي
والاجتماعي لإحداث نوع من الثورة على ذلك النظام، فلم يعد دور الدولة حيادياً في
الصراع الاجتماعي الدائم، مقتصراً على حفظ الأمن الداخلي والخارجي بل اضطرت تحت
الضغوط الجدية المتنامية للنقابات والرأي العام والأحزاب المنظمة القوية والعديد من
الجماعات الأخرى المنظمة من أجل الحصول على توازن جديد إلى التدخل الفعال في الحياة
الاقتصادية والاجتماعية مما جعل النظام الديمقراطي في الغرب نفسه يتجاوز مرحلة
الحريات الشكلية المتمثلة في إعلانات حقوق الإنسان وسيادة الشعب والبرلمانات
والانتخابات وحق الأغلبية في أن تقود، وحق الأقلية في أن تعارض وتتحول إلى أغلبية
بحكم "التداول" لينتهي إلى جوهر يتمثل في نظام من التواصل بين جماهير المواطنين
وبين المنظمات الحاكمة، نظام يبيح للجماهير أن تنادي وللدولة أن تجيب، نظام يمكن
الجماهير من التأثير الفعال والمشاركة في إدارة الشؤون العامة والتحكم في صنع
مصيرها بحق لا مجرد انتخاب ممثلين عنها وذلك يقتضي التوفر المستمر من الأدوات
الضرورية لتلك المشاركة من ضمانات اقتصادية واجتماعية هي ملك الشعب ومعطيات إعلامية
صادقة متجددة حول سير المؤسسات العامة وأدوات إعلامية حرة.
أما المفكر الإسلامي
"مالك بن نبي" فقد ذهب أبعد من ذلك في تحديد جوهر النظام الديمقراطي على أنه مشروع
تربوي للشعب كافة على الصعيد النفسي والأخلاقي والاجتماعي والسياسي فليست
الديمقراطية مجرد عملية نقل السلطة إلى الجماهير والإعلان عن أن شعباً هو بموجب نص
دستوري صاحب السيادة.
ففي انكلترا ليس النص الدستوري وهو نسبياً غير موجود
هو الذي يضمن حقوق وحريات الشعب الانكليزي ولكن العقلية البريطانية نفسها هي ذلك
الضامن للديمقراطية، ويغوص علامتنا المغربي مالك حفيد ابن خلدون في ثنايا النهضة
الأوروبية متتبعاً جذور الإحساس الديمقراطي الذي تفجر في الإعلان الشهير لحقوق
الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية وكان تتويجاً روحياً وسياسياً للثورة
الفرنسية، فيجد جذور ذلك الإحساس منغرسة في حركة الإصلاح الديني والنهضة اللتين
شكلتا العنصر الأساسي الثقافي في شخصية الإنسان الأوروبي في مجال الروح والفن
والعقل، لقد شكل كل ذلك المذهب الإنساني بما قدمه من تقدير معين للإنسان
المواطن.
الضمان الاجتماعي في الإسلام لنقرأ بانتباه ونحن بصدد تقرير حق الضمان
الاجتماعي في الإسلام، هذا النص الرائع للثائر السلفي ابن حزم "وفرض على الأغنياء
من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائه ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم
ولا بسائر أموال المسلمين ، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه ومن
اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك وبمسكن يكنهم من المطر والشمس وعيون المارة ومن كان
على فضله ورأى أخاه جائعاً عرياناً فلم يغثه فما رحمه بلاشك"، بل يفرض ابن حزم على
الجائع أن يأخذ ما يسد به حاجته ولو مع استعمال القوة.
واضح عمق وأصالة الضمان
الاجتماعي على صعيد التصور والتطبيق في الإسلام وواضح كذلك طابع التفرد في هذا
التصور من حيث ارتباط تلك الحقوق بتكريم الله للإنسان باستخلافه له ومن حيث تعدد
مؤسسات ذلك الضمان: الأسرة، الجوار، الحي، العشيرة، المجتمع، الدولة. .
وذلك وفق
تصور الإسلام لعلاقة الفرد والمجتمع بالدولة.
إن عقيدة التحرر والعبودية لله وهي
أساس التصور الاجتماعي الإسلامي تأبى حصول وضع اجتماعي تتغول فيه الدولة ويتضاءل
الفرد والمجتمع تجاهها فيرتبط مصير المجتمع كله بتلك المؤسسة أو الشخص أحياناً
"الدولة".
إن الإسلام يحرص على تحقيق قدر كبير من الاستقلال للفرد والمجتمع عن
السلطة في الدولة الإسلامية وذلك من خلال التكريم الإلهي للإنسان بما يكسبه من حقوق
ويفرض عليه من واجبات لا سلطان لأحد غير الله عليها ومن خلال حرصه على إقامة
المؤسسات الشعبية المستقلة عن السلطة كالأسرة والعشيرة وأهل الحي ومؤسسة التعليم
والتعبد كالمسجد وأنواع كثيرة من المؤسسات الاجتماعية الشعبية التي يمولها الشعب عن
طريق مؤسسة الأوقاف على نحو يتحقق معه قدر كبير من الاستقلال للأمة عن الحكومة
وخاصة من عهود فسادها، وإن أشد ما نكبنا به الغزاة الغربيون نهبهم جزءاً كبيراً من
المؤسسات الشعبية وتدميرهم البنية التحتية لمجتمعنا حتى إذا ورثهم المستعمرون الجدد
في عهد "الاستقلال" استكملوا الغزو وأتموا السيطرة والاستيلاء على ما تبقى من تلك
البنية التحتية فارتهن الفرد والمجتمع لأهوائهم وتقلباتهم فصحى إذا صحوا "وقليلاً
ما هم فاعلون" ومرض بمرضهم الدائم ومع ما أحدثوه من تدمير لبنية المجتمع لصالح تسلط
الدولة تراهم لا يستحون من الحديث عما يسمونه "المجتمع المدني" لإخفاء طبيعة التسلط
المهيمنة على هذه المجتمعات.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد