;

العولمة جعلــت من العالم جزر منفصلة ..الحلقة الثانية 938

2009-09-21 08:55:27

العولمة بشكلها الراهن وقواعدها المعاصرة. . مشروع أميركي لا يستثنى من مكاسبه الكثير من البلدان النامية والغالبية العظمى من دول القارة الأفريقية فحسب، بل ويرمي إلى العودة بالعالم إلى العصر الاستعماري وترسيخ الهيمنة على خيرات الشعوب، من خلال السيطرة على الموارد البترولية في العالم والهيمنة على حقوق براءات الاختراع والملكية الفكرية، والتحكم بوسائل الاتصال الدولة، واحتكار إنتاج البذور الزراعية المعدلة جينياً، باعتبار أن احتكارها يمكن الولايات المتحدة الأمريكية من السيطرة على أنتاج المواد الغذائية في العالم أجمع.


. يتناول هذا الكتاب تحليل قضية العولمة من منظور عقلاني شامل يحيط بها من مختلف أبعادها ومن منظور إنساني إذ عالج الأبعاد المختلفة للعولمة وما صاحبها من تدهور مستوى المعيشة وأتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء وتقليص دور الدولة في مجال الخدمات، كما تتميز بالدفاع عن العدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
الكتاب الذي ترجمة الدكتور/ عدنان عباس علي والصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت قدم مؤلفاه "هانس بيتر مارتين وهارالدشومان " وجهة نظر مختلف عما هو شائع من الأحاديث والأفكار الملتهية حول العولمة والتي تدور الآن بين المثقفين العرب.
المؤلفان انتقدا الحجة التي يروجها بعض منظري العولمة والتي تقول بأن هذه العولمة ذات الاتجاه الليبرالي المغرق في التطرف هي من قبيل الحتميات الاقتصادية والتكنولوجية الشبيهة بالأحداث الطبيعية التي لا يمكن الوقوف في وجهها ، إذ يعتقد المؤلفان أن هذه العولمة نتيجة حتمية خلقتها سياسات معينة بوعي وإرادة الحكومات والبرلمانات التي وقعت على القوانين التي طبقت السياسات الليبرالية الجديدة وألغت الحدود والحواجز أمام حركة تنقل السلع ورؤوس الأموال، وسحبت الحواجز التي حققها العمال والطبقة الوسطى، وانتهاء بالتوقيع على اتفاقية منظمة التجارة العالمية "الجات" التي ستتولى توقيع العقوبات على من لا يذعن لسياسة حرية التجارة ، ففي كل هذه الأمور لم تكن هناك حتميات لا يمكن تجنبها بل إرادات سياسية واعية بما تفعل وتعبر عن مصلحة الشركات دولية النشاط.
ومن القضايا المهمة التي ناقشها المؤلفان: الزعم بأن العولمة قد أدت إلى انصهار مختلف الاقتصاديات القروية والوطنية والإقليمية في اقتصاد عالمي موحد، بعد أن صار العالم سوقاً واحدة وأن التجارة العالمية تبدوا وكأنها في نمو مطرد يستفيد منه الجميع بعد أن غدا العالم قرية كونية متشابه ينمو ويتلاحم بجميع أجزائه وخاصة بعد الدور الذي لعبته الأقمار الصناعية وشبكة الانترنت ومختلف أشكال ثورة الاتصالات ، ويشير المؤلفان إلى أنه بخلاف التوحد التلفزيوني الذي يربط بين من يعشون في أفريقيا وآسيا وكاليفورنيا.
الدول النامية في نفق مديونية الخارج الصناعة الحديثة والتقنيات العالية ويتصل بعضها ببعض وبالعالم الخارجي أكثر من اتصاله بالبلاد التي ينتمي إليها فإن الجزء الأعظم من العالم يتحول إلى جزر منفصلة وإلى عالم بؤس وناقة ويكتظ بالمدن القذرة والفقيرة،وحسب المؤلفات كان ولا سيما بعد انتهاء الحرب الباردة وموت حوار الشمال والجنوب ودخول الدول النامية النفق المسدود للمدينة الخارجية.
وطرح المؤلفان أنه مع نمو العولمة يزداد تركز الثروة وتتسع الفروق بين البشر والدول أتساعاً لا مثيل له إذ أن "358" مليار ديرفي العالم يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه 2. 5 مليار من سكان المعمورة أي ما يزيد قليلاً على نصف سكان العالم وهناك 20%من دول العالم تستحوذ على 85% من الناتج العالمي الإجمالي وعلى 84% من التجارة العالمية ويمتلك سكانها 85% من مجموع المدخرات العالمية، وهذه التفاوت بين الدول يوازيه تفاوت آخر داخل كل دولة، حيث تستأثر قلة من السكان بالشطر الأعظم من الدخل الوطني والثروة القومية في حين تعيش أغلبية السكان على الهامش ، وهذا التفاوت الشاسع في الدخل والثروة سواء على الصعيد العالمي، أو على الصعيد المحلي لم يعد بالأمر المزعج بل بات في رأي منظري العولمة مطلوباً في حلبة التنافس العالمي الضاري.
وفي ظل تسارع عمليات العولمة فإن بعض المصطلحات المهمة التي شغلت ساحة الفكر والعمل طويلاً مثل "العالم الثالث" والتحرر والتقدم وحوار الشمال والجنوب والتنمية الاقتصادية لم يبق لها في دنيا العولمة أي معنى خاصة أن العالم المتقدم أصبح يتجاهل على نحو خطير مشكلات البلاد النامية والقارة الأفريقية الفقيرة بشكل خاص.
فرض حضارة التنميط مؤلف الكتاب يعتقد أن نموذج الحضارة الذي ابتكره الغرب لم يعد صالحاً لبناء المستقبل أي لبناء مجتمعات قادرة على النمو والانسجام مع البيئة وتحقيق التوزيع العادل للثروة والدخل وأن الدعاية المفرطة لهذا النموذج كانت جزءاً من الحرب الباردة ولهذا فإنه يجب أن يوضع في متحف الأسلحة القديمة.
وحسب اعتقاد المؤلفان تسود الآن عملية تحول تاريخي بإبعاد عالمية واضحة ينعدم فيها التقدم والرخاء ويسود التدهور الاقتصادي والتدمير البيئي والانحطاط الثقافي في ضوء حضارة التنميط والتي تسعى العولمة لفرضها.
ارتبطت العولمة المستندة إلى الفلسفة الليبرالية الحديثة بتحرير الأسواق المالية والنقدية ، بالتخلي عن معظم الضوابط التقليدية التي تسير العمل المصرفي والنظم النقدية لعهود طويلة ، وكان من نتيجة ذلك أن الكتلة النقدية في ضوء عمليات التحرير لم تعد خاضعة بالمرة للسلطة النقدية المحلية "البنك المركزي" ، فعملية دخول وخروج الأموال على نطاق واسع وبالمليارات تجري في ومضات سريعة على شاشات الكمبيوتر وعلى نحو غدت السلطة النقدية تقف عاجزة عن الدفاع عن أسعار الصرف وأسعار الفائدة، وأسعار الأوراق المالية في البورصات ، وهكذا تحول العالم إلى رهينة في قبضة حفنة من كبار المضاربين الذين يتاجرون بالأوراق المالية مستخدمين في ذلك مليارات الدولارات التي توفرها بنوك وشركات التأمين وصناديق الاستثمار الدولية وصناديق التأمين والمعاشات.
وأشار المؤلفان إلى عدد من الأزمات التي سببها هؤلاء المضاربون والتي أصبحت تشير على مقدرتهم الفائقة على التحكم في رفاهية أو فقر أمم ودول برمتها، دون أن تجد أي سلطة محلية أو مالية لمحاسبتهم أو ردعهم.
إذ لم تكف هناك فكرة أو نظرية المؤامرات في هذا المجال فلا تحالفات بين هؤلاء المتكالبين على جني الأرباح أو تخفيضها في هذه البورصة أو تلك. .
فما يحدث الآن على ساحة الأسواق النقدية والمالية هو النتيجة الطبيعية والمنطقية للسياسات والقوانين التي سنتها وأقرتها حكومات الدول الصناعية الكبرى تحت ما يسمي ب"تحرير الأسواق المالية والنقدية" وهي العمليات التي سرعان ما أجبر صندوق النقد الدولي مختلف دول العالم على تطبيقها بإطلاق سعر صرف عملتها، وانفتاحها التام على السوق المالي العالمي، وهذه الانفتاح يجبر هذه الدول على التنافس في تخفيض الضرائب وتقليص الإنفاق الحكومية، وخصخصة مشروعات الدولة والتضحية بالعدالة الاجتماعية وكل ذلك يروج له على أساس أنه ينسجم مع المصلحة العامة كلية.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد